الله: (ليس فيها سكر ولا صداع ولا قيء ولا بول، وهذه الخصال المجموعة هي الغول).
ثم وصفها سبحانه بقوله: ﴿وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾. وفيها قراءتان وتأويلان:
القراءة الأولى: هي قراءة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين بفتح الزاي: ﴿يُنْزَفُونَ﴾.
ومنه فالتأويل الأول: أي ولا هم عن شربها تُنْزَفُ عقولهم. فعن ابن عباس: (﴿وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾ قال: لا تُنْزَف فتذهب عقولهم). وقال ابن زيد: (لا تُنْزِفُ العقول).
وقال قتادة: (لا تغلبهم على عقولهم). وقال مجاهد: (لا تذهب عقولهم) أي لا يسكرون.
القراءة الثانية: وهي قراءة عامة قراء الكوفة: "يُنْزِفون" بكسر الزاي. أي فيكون: التأويل الثاني: ولا هم عن شربها يَنْفَدُ شرابهم. وفي لغة العرب يقال: أنَّزف الرجل فهو منزوف إذا فنيت خمره. فالمعنى: أنَّهم من الشراب لا ينفدون.
قال القرطبي رحمه الله: (ومعنى "ينزِفون" الصحيح فيه أن يمال: أنَّزف الرجل إذا نفد شرابه، وهو يبعد أن يوصف به شراب الجَنَّة، ولكن مجازه أن يكون بمعنى لا ينفد أبدًا).
وكلا القراءتين مشهورة، ومن ثمّ فكلا التأويلين سالك قائم.
فقد وصف الله شراب أهل الجَنَّة في سورة محمد بقوله: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (١٥)﴾ [محمد: ١٥].
أخرج الإمام أحمد في المسند، والترمذي في الجامع، بسند صحيح عن معاوية بن حيدة، عن النبي - ﷺ - قال: [إن في الجَنَّة بحرَ الماء، وبحرَ العسل، وبحرَ اللبن، وبحرَ الخمر، ثم تشقّق الأنهار بعد] (١).
فهو خمر لذة للشاربين، يتدفق من بحر الخمر الذي لا ينفد، وطعمه منزه أن

(١) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في السنن (٢٥٧١) من حديث معاوية بن حيدة. انظر صحيح سنن الترمذي (٢٠٧٨). ورواه أحمد بإسناد صحيح. انظر تخريج المشكاة (٥٦٥٠)، وكتابي: أصل الدين والإيمان (٢/ ٧٧٦) لتفصيل البحث.


الصفحة التالية
Icon