كدت تهلكني لو أطعتك، ومضيت في سبيلك، ولكن الله مَنَّ علي بصحبة أهل الإيمان، ومخالفتك والتصديق بالحق وتعظيم الله والخوف من لقائه، ولولا ذلك لكنت محضرًا معك، فاليوم لا موت بل خلود في دار الكرامة، ولا عذاب فهو النعيم المقيم، وهو الفوز العظيم.
فلمثل هذا الذي أعطى الله المؤمنين - من الكرامة في الآخرة - ليعمل العاملون، ليدركوا هذا بطاعة ربهم. لكن هل يقارن هذا الفضل بشجرة الزقوم طعام أهل النار، أنبتها الله في النار التي تحرق الخشب تحديًا لهم ومخالفة لعقولهم التي لم تدرك عظمة الله الذي يخلق ما يشاء، فكانت بذلك فتنة لهم أن كذبوا الرسل وعاندوا القدر. ثم إنها شجرة قبيحة ثمارها كرؤوس الشياطين في القبح ولا بد لهم من أكلها ليشبعوا منها داء وسمًّا ورجسًا وقيحًا وصديدًا.
ثم إنهم لشاربون على هذا الزقوم شرب الحميم ليهضموها، ثم هم باقون في عناء وعذاب في نار جهنم، فمرجعهم دومًا إليها بعد الطعام وقبله، فلقد مضوا في حياتهم معظمين سيرة الآباء وما فيها من كبر وحب للرياسة والظلم، فساروا على منهاجهم وكذبوا بالحق الذي أكرمهم الله به على لسان المرسلين، ولقد كان لهم فيما مضى من الأمم عبرة لمن شاء منهم أن يَذكَرَ أو أراد شكورًا، أن دمرهم الله يوم كذبوا الرسل المنذرين، فهلا نظروا واعتبروا إلامَ صار أمر من قبلهم، وما الذي أعقبهم كفرهم بالله ومنهاج رسله، ولكن الله نجَّى المخلصين الذين اتبعوا المرسلين. فإلى تفصيل ذلك:
فعن قتادة: (﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ قال: أهل الجَنَّة).
قال القرطبي: (أي يتفاوضون فيما بينهم أحاديثهم في الدنيا. وهو من تمام الأنس في الجَنَّة. وهو معطوف على معنى ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ﴾. المعنى: يشربون فيتحادثون على الشراب كعادة الشراب). وقال ابن كثير: (أقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن أحوالهم وكيف كانوا في الدنيا وما إذا كانوا يعانون فيها، وذلك من حديثهم على شوابهم واجتماعهم في تنادمهم ومعاشرتهم في مجالسهم وهو جلوس على السرر، والخدم بين أيديهم يسعون ويجيئون بكل خير عظيم من مآكل ومشارب وملابس وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).
وقد جيء به ماضيًا كما عودنا الله سبحانه في إخباره، فإن ذلك سيكون يومًا ماضيًا قد تحقق.