وقوله تعالى: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾. في مفهوم القرين أكثر من معنى:
١ - القرين شيطان. قال مجاهد: (﴿إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾، قال: شيطان). أي قرينه من الشيطان كان يوسوس له بإنكار البعث.
٢ - قرين: أي صديق ملازم أو شريك له من بني آدم.
فعن ابن عباس: (هو الرجل المشرك يكون له الصاحب في الدنيا من أهل الإيمان، فيقول له المشرك: إنك لتصدِّق بأنك مبعوث من بعد الموت أئذا كنا ترابًا؟ فلما أن صاروا إلى الآخرة وأدخل المؤمن الجَنَّة وأدخل المشرك النار، فاطلع المؤمن فرأى صاحبه في سواء الجحيم: ). ﴿قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾
قلت: والمعنى الثاني أرجح، لأن الشيطان يمكن أن يوسوس لكل واحد بإنكار البعث - فلا خصوصية للحدث هنا - والله تعالى أعلم.
وقوله: ﴿يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾. من التصديق وليس من التصدّق.
قد قرأها عامة القراء بتخفيف الصاد، لكن روي عن حمزة قراءتها بتشديد الصاد "المُصَّدِّقين" أي أئنك لمن المتصدقين بالمال طلبًا لثواب الآخرة.
والقراءة الأولى أشهر وأرجح، إذ لا معنى للصدقة هنا، لقوله تعالى بعدها: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ﴾. قال ابن عباس: (يقول: أئنا لمجازون بالعمل كما تدين تُدان). أي هل نحن مجزيون محاسبون بعد الموت؟ أتصدق هذا؟
وقوله تعالى: ﴿قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾. في تحديد قائله تفاسير:
التفسير الأول: هو من قول الله تعالى لأهل الجَنَّة.
التفسير الثاني: هو من قول المؤمن لإخوانه في الجَنَّة، هل أنتم مطلعون إلى النار لنظر حال ذلك القرين؟ !
التفسير الثالث: هو من قول الملائكة.
والراجح التفسير الثاني أنه من قول القائل هل أنتم مطلعون إلى النار من كوى الجَنَّة ومطالّها لأريكم ذاك القرين بين أهل النار.
رُوي عن كعب الأحبار: (إن في الجَنَّة كُوى إذا أراد أحد من أهلها أن ينظر إلى عدوه في النار اطلع فيها فازداد شكرًا).


الصفحة التالية
Icon