وعاب عليهم شركهم، فانطلق رؤساؤهم وكبراؤهم يأمرونهم أن يصبروا على ما عهدوه من عبادة أوثانهم وعادة آبائهم، مستبعدين أن يكون محمد - ﷺ - قد خُصِّصَ بإنزال القرآن عليه من بينهم، ولكنهم تطاولوا وكذبوا لأن الله قد أخّر عذابه عنهم وما عاجلهم، فذكرهم بنفسه وجبروته وقوته وملكوته لخزائن السماوات والأرض قبل أن ينزل نقمته بهم، فهل شاركوه في خزائنها أم شاركوه في خلقها فهي تمضي بأمرهم، فإن كانوا يملكون ذلك فليصعدوا في طرق السماء وأبوابها فيتفقدوا بذلك ملكهم، ويشرفوا بذلك ويتعهدوا سلطانهم، ولكن هؤلاء من أحزاب إبليس وأتباعه الذين مضوا قبلهم فأهلكهم الله بذنوبهم، فقد مضى قوم نوح وقوم فرعون وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة لما كذبوا الرسل أخزاهم الله وأرداهم، وما قريش بتكذيبها لك يا محمد إلا سينالها ما نال أولئك الأحزاب جميعهم، وقد حقَّ وَعْدُ الله فدكهم المؤمنون يوم بدر بقيادة نبيّهم، ثم نفخة الفزع في الصيحة يؤخذون بها فلا إفاقة بعدها ولا رجوع إلى دنياهم، وقد كانوا قبل ذلك يستعجلون العذاب مستهزئين فأذاقهم الله عذابًا في دنياهم وفي قبورهم ثم في أخراهم. وتفصيل ذلك:
قوله: ﴿ص﴾. قيل: من المصاداة، أي صادِ بعملك القرآن: أي عارضه به، كما قال الحسن: (عارض القرآن بعملك). وقيل: المعنى: (اعرضه على عملك فانظر أين عملك من القرآن). وقيل: بل هو قسم أقسمه الله، وقيل: بل هو اسم للقرآن. وقيل: بل المعنى صدق الله، إلى غير ذلك مما لا دليل عليه تقوم به الحجة. وإنما أميل إلى تفسير هذه الحروف المقطعة بأنها لبيان الإعجاز، إذ القرآن الكريم مركب من مثل هذه الأحرف، فليعارضوه بمثله إن استطاعوا، وقد أنزل عليهم وهم أهل الفصاحة والبيان. قال شيخ الإسلام رحمه الله: (إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها). وعامة القراء قرؤوها بسكون الدال.
وقوله: ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾. الواو واو القسم، والقرآن مجرور بها إذ الواو بدل الباء. فأقسم به سبحانه بيانًا لشرفه وتنبيهًا على جلالة قدره وعظمته وبيانه، وإشارة إلى إعجازه وسموّ معانيه، فهو كلام الله فيه شفاء لما في الصدور.
وقوله: ﴿ذِي الذِّكْرِ﴾. ذي: في محل جر صفة، وعلامة جره الياء، وفي مفهوم ﴿ذِي الذِّكْرِ﴾ معان جميلة وفيرة:


الصفحة التالية
Icon