المعنى الأول: (ذي الشرف). فعن أبي حصين: (﴿ذِي الذِّكْرِ﴾ قال: ذي الشرف) ذكره ابن جرير.
المعنى الثاني: (ذي البيان). فعن ابن عباس ومقاتل: (﴿ذِي الذِّكْرِ﴾: ذي البيان).
المعنى الثالث: ﴿ذِي الذِّكْرِ﴾ أي يُرفع ذكر صاحبه المؤمن به العامل بمنهاجه. فعن الضحاك قال: (ذي الشرف، أي من آمن به كان شرفًا له في الدارين، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾: أي شرفكم).
المعنى الرابع: ﴿ذِي الذِّكْرِ﴾ أي: فيه ذكركم وذكر أخباركم. ففي رواية عن الضحاك: (﴿ذِي الذِّكْرِ﴾ قال: فيه ذكركم. قال: ونظيرتها ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾).
المعنى الخامس: ﴿ذِي الذِّكْرِ﴾ أي: ذي التذكير يذكركم الله به بمنهج النجاة في الدنيا والآخرة. قال ابن جرير: (فكان معلومًا بذلك أنه إنما أخبر عن القرآن أنه أنزله ذكرًا لعباده ذكرهم به وأن الكفار من الإيمان به في عزة وشقاق). فرجح هذا المعنى وقال: (أي ذي التذكير ذكَّركم الله به أولى لأنه أتبع بقوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ فأنزله ذكرًا لعباده ذكَّرهم به).
المعنى السادس: أي فيه ذكر ما يحتاج إليه من أمر الدين.
المعنى السابع: أي فيه ذكر أسماء الله وتمجيده. ذكره والذي قبله القرطبي.
المعنى الثامن: أي ذي الموعظة والذكر. أشار إليه الحافظ ابن كثير.
قلت: وكلها معان متقاربة واختلافات تنوع لا تضاد، وغاية المعنى أن يقال: إن الله جل ثناؤه أقسم بعزيز وهو أعز ما يصل العباد به، وهو القرآن ذو الشرف والبيان، ذو التذكير والترغيب والترهيب، وذو الوعد والوعيد، وذو الخبر عن الأمم التي مضت وذكر أخبار الطغاة وما حاق بهم لما كذبوا القرآن وما عظموه ولم يتحاكموا إليه، وذكر مصير المؤمنين ومصير المجرمين يوم القيامة. قال الله جل ثناؤه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾.
فالقرآن - كما جاء نَعْته في الأثر-: (كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحُكمُ ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزْلِ، مَنْ تركه من جبّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو