الصراطُ المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلُقُ عن كثرة الرَّد، ولا تنقضي عجائبُه، هو الذي لم تنتهِ الجنُّ إذ سمعته حتى قالوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ﴾ من قال به صدق، ومن عمل به أُجِرَ، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليهِ هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيم).
وأما جواب القسم ففيه أقوال:
القول الأول: قيل جوابه: ﴿إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ﴾، ذكره الحافظ ابن كثير، وذكره القرطبي عن الأخفش قال: (جواب اقسم ﴿إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ﴾، ونحو منه قوله تعالى: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ وقوله: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ... إِنْ كُلُّ نَفْسٍ﴾). قال ابن الأنباري: (وهذا قبيح لأن الكلام قد طال فيما بينهما وكثرت الآيات والقصص).
القول الثاني: قيل جوابه: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾. فعن قتادة: (﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ﴾ قال: ها هنا وقع القسم). واختاره ابن جرير وقال: (﴿بَلِ﴾، دلت على التكذيب، وحلت محلّ الجواب، استغني عن الجواب).
القول الثالث: قيل جوابه: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾. قاله بعض النحويين في الكوفة. قال الكسائي: (جواب القسم قوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾). وعارضه ابن الأنباري أيضًا كما عارض القول الأول. قال: (وهذا أقبح من الأول، لأن الكلام أشدُّ طولًا فيما بين القسم وجوابه).
القول الرابع: قيل جوابه: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾. ذكره القرطبي.
القول الخامس: قيل جوابه ما تضمنته السورة بكمالها. ذكره ابن كثير.
القول السادس: قيل جوابه ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ كأنه قال: والقرآن لَكَمْ أهلكنا، فلما تأخرت (كم) حذفت اللام منها. كقوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ ثم قال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾ أي لقد أفلح. قال المهدوي: وهذا مذهب الفراء.
القول السابع: قيل الجواب محذوف. قال قتادة: (الجواب محذوف تقديره ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ لتبعثن). وقال القاسمي: (والجواب محذوف لدلالة السياق عليه أي إنه لحق).
القول الثامن: قيل جواب القسم ﴿ص﴾، لأن معناه حق، فهي جواب لقوله: ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ كما تقول: حقًّا والله، نزل واللهِ، وجب والله، فيكون الوقف من هذا