انهزموا أمام شهواتهم فسقطوا صرعى كبرهم وعنادهم، وما سهر الشيطان على رعايته في قلوبهم، فعادوا وظهروا في عزة وشقاق أي في مظهر الكبر وعداوة محمد والحق وفي استعلاء واستهزاء، إذ أراهم الشيطان خَطر محمد والحق على زعاماتهم وعروشهم وما جمعوا في دنياهم.
والشقاق في لغة العرب من الشقّ: وهو نِصف الشيء، والمشاقَّةُ والشِّقاق: الخلاف والعداوة. فالمشركون في عزة وشقاق: أي في إظهار خلاف وعداوة ومباينة فكأن هذا في شق وذاك في شق.
وقوله تعالى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾. أي: كم دَمَّرنا أقوامًا أشد منهم منعة وقوة فجأروا مستغيثين وبالتوبة منادين لكنهم فعلوا ذلك متأخرين حين فات الأوان. وفيه تفاسير:
التفسير الأول: نادوا بالتوبة حين لا تنفعهم. فعن الحسن: (﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ قال: نادوا بالتوبة وليس حين التوبة ولا حين ينفع العمل). وقال قتادة: (نادى القوم على غير حين نداء، وأرادوا التوبة حين عاينوا عذاب الله فلم يقبل منهم ذلك). قال ابن جرير: (فعجّوا إلى ربهم وضجوا واستغاثوا بالتوبة إليه حين نزل بهم بأس الله وعاينوا به عذابه فرارًا من عقابه وهربًا من أليم عذابه).
التفسير الثاني: نادوا مستنجدين في وقت ليس بحين نزو ولا فرار ولا مغاث. فعن ابن عباس: (في قوله ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ قال: ليس بحين نزو ولا حين فرار). وفي رواية: (ليس حين مغاث). والنزو: هو ضَرْبٌ من العَدْوِ والهرولة.
التفسير الثالث: قيل من عادة الأقوام إذا قاتلوا فاضطروا للفرار قال بعضهم لبعض (مناص).
قال الكلبي: (كانوا إذا قاتلوا فاضطروا قال بعضهم لبعض مناص، أي عليكم بالفرار والهزيمة، فلما أتاهم العذاب قالوا مناص، فقال الله عز وجل: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾). قال القشيري: (وعلى هذا فالتقدير: فنادوا مناص فحذف لدلالة بقية الكلام عليه، أي ليس الوقت وقت ما تنادون به). واختار الأخفش أنها (لا) النافية للجنس زيدت عليها تاء.
التفسير الرابع: قيل المعنى لا خلاص: قال الجرجاني: (أي فنادوا حين لا مناص، أي ساعة لا منجىً ولا فوت). وقيل لا خلاص منصوب بوقوع لا عليه.