ولمّا نفي لفعل يتوقع وجوده وهي لائقة هنا فإنك لا تقول (الحجر لما يتكلم) وإنما تقول (الحجر لا يتكلم)، ففيه إشارة إلى أن العذاب قادم لا يستحيل بحقهم بل هو واقع بهم.
وقوله تعالى: ﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ﴾. أم هنا للتقريع لاتصال الكلام بما قبله كقوله: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾. فاستنكروا ذلك لأن ملك خزائن السماوات والأرض لهم فكان الأولى أن يختاروا هم للرسالة من شاؤوا. كلا، الأمر ليس لهم بل لله ولو تركه لهم لاختاروا ما يضرهم وما لا ينفعهم، كما قال سبحانه: ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾. قال ابن جرير: (﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ﴾ يعني مفاتيح رحمة ربك يا محمد العزيز في سلطانه الوهاب لمن يشاء من خلقه ما يشاء من مُلك وسلطان ونبوة، فيمنعوك يا محمد ما من الله به عليك من الكرامة وفضّلك به من الرسالة). فالله سبحإنه له الأمر من قبل ومن بعد. قال في سورة الأنعام: ﴿للَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾. وقال في سورة القصص: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾. فهو العزيز الذي لا يرام جنابه، الوهاب الذي يعطي ما يريد لمن يريد فتبارك الله العزيز الحكيم.
لقد أخرج ابن ماجة والطبراني بسند حسن عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - ﷺ -: [عندَ اللهِ خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال، فطوبى لمن جعلهُ الله مفتاحًا للخير، مغلاقًا للشر، وويل لمن جعله الله مفتاحًا للشر مغلاقًا للخير] (١).
وقوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ﴾. هو تقريع آخر وتوبيخ للمشركين ومنطقهم وتفكيرهم، فإن كانوا يظنون أن لهم ملكًا في السماوات فليصعدوا وليمضوا في معارج الوصول علّهم يصلون إلى العرش فيجلسوا عليه فيتحكموا بملكهم ويشرفوا على خزائنهم وينزلوا الوحي بما شاؤوا على من أرادوا وأحبوا.
وفي لغة العرب رقيَ يرقى وارتقى إذا صَعِدَ، والسبب: الحبلُ وكلُ شيء يُتَوصَّل به إلى غيره، وأسباب السماء نواحيها، وقيل الأسباب الحبال. قال أبو جعفر: (وأصل
ورواه الطبراني والبيهقي. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٣٣٢).