السبب عند العرب كل ما تسبب به إلى الوصول للمطلوب من حبل أو وسيلة أو رحم أو قرابة). فعن الربيع بن أنس قال: (الأسباب أرق من الشعر وأشد من الحديد ولكن لا ترى). وفي معنى الأسباب وَرَدَ أقوال:
القول الأول: عن مجاهد قوله: (﴿فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ﴾ قال: طرق السماء وأبوابها). وعن قتادة قال: (الأسباب أبواب السماوات التي تنزل الملائكة منها). وقال السدي: (أسباب السماوات).
القول الثاني: عن السدي: (﴿فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ﴾ قال: في الفضل والدين).
القول الثالث: الأسباب: الحبال. قال القرطبي: (يعني إن وجدوا حبلًا أو سببًا يصعدون فيه إلى السماء فليرتقوا وهذا أمر توبيخ وتعجيز. قال: فليصعدوا إلى السماوات، وليمنعوا الملائكة من إنزال الوحي على محمد).
القول الرابع: الأسباب: القوة. فقد روي عن أبي عبيدة من أهل اللغة: (أي فليعلوا في أسباب القوة إن ظنوا أنها مانعة).
القول الخامس: الأسباب: السماوات نفسها، أي فليصعدوا سماء سماء.
وخلاصة القول: فإذا كان لهؤلاء المشركين الذين هم في عزة وشقاق وكبر ومعاندة، ملك في السماوات والأرض وما بينهما، فليصعدوا في أبواب وطرق السماء ليؤكدوا ملكهم وقوتهم فيدبروا الأمر ويتفقدوا الكون ويتعهدوا ويشرفوا وينزلوا الوحي بما شاؤوا على من يختاروا، وإلا فإن الله لا يعازّه ولا يشاقّه من كان في ملكه وسلطانه.
وقوله تعالى: ﴿جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ﴾. هو وعد بالنصر من الله لنبيّه على هؤلاء المكذبين، والتقدير هم جند، فجند خبر لمبتدأ محذوف، و (ما) زائدة أو صفة للجند، و (هنالك) إشارة لمعركة بدر وهو الموضع الذي تَحَزَّبوا فيه لقتال المؤمنين. وقيل بل هو إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل هذا القول. قال القاسمي: (فهو مجاز). وقد رود في الآية معان متقاربة:
المعنى الأول: المراد يوم بدر. فعن قتادة قال: (وعده الله وهو بمكة يومئذ أنه سيهزم جندًا من المشركين فجاء تأويلها يوم بدر). وقال الحافظ ابن كثير: (هذه الآية كقوله جلت عظمته ﴿أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ وكان ذلك يوم بدر).


الصفحة التالية
Icon