فقوله: ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾.
قال القرطبي: (﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ﴾ أي قَحْط وشِدّة ﴿دَعَوْا رَبَّهُمْ﴾ أن يرفع ذلك عنهم ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ قال ابن عباس: مقبلين عليه بكل قلوبهم لا يشركون. ومعنى هذا الكلام التعجب، عجب نبيّه من المشركين في ترك الإنابة إلى الله تعالى مع تتابع الحجج عليهم، أي إذا مسن هؤلاء الكفار ضرٌّ من مرض وشدّة دعوا ربهم، أي استغاثوا به في كشف ما نزل بهم، مقبلين عليه وحده دون الأصنام، لعلمهم بأنه لا فرج عندها).
وقوله: ﴿ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾.
أي: ثم إذا كشف الله الضر والشدة عنهم وأنزل بهم العافية والنعمة إذا جماعة منهم يشركون بالله في العبادة والتعظيم.
وقوله: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾. قال ابن كثير: (هي لام العاقبة عند بعضهم، ولامُ التعليل عند آخرين، ولكنها تعليلٌ لِتَقييضِ الله لهم ذلك. ثم توعّدَهم بقوله: ﴿فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾، قال بعضهم: والله لو توعَّدني حارس دَرْبٍ لَخِفْتُ منه، فكيفَ والمتوعِّدُ هاهنا هو الذي يقول للشيء: كنْ، فيكون).
وقوله تعالى: ﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾.
قال الضحاك: (﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا﴾ أي كتابًا). وبه قال قتادة والربيع بن أنس.
وهو استفهام فيه معنى التوقيف. قال النسفي: (﴿سُلْطَانًا﴾ حجة ﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ﴾ وتكلمه مجاز، كما تقول كتابه ناطق بكذا، وهذا مما نطق به القرآن، ومعناه الشهادة. كأنه قال: فهو يشهد بشركهم وبصحته ﴿بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ ما مصدرية، أي بكونهم بالله يشركون، أو موصولة ويرجع الضمير إليها. أي: فهو يتكلم بالأمر الذي بسببه يشركون. أو معنى الآية: أم أنزلنا عليهم ذا سلطان، أي ملكًا معه برهان، فذلك الملك يتكلم بالبرهان الذي بسببه يشركون).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: وإذا أصاب الناس منا خصب ورخاء، وعافية في الأبدان والأموال، فرحوا بذلك، وإن تصبهم منا شدة من جدب وقحط وبلاء في


الصفحة التالية
Icon