مالها من فواق، قال: يقول ما لتلك الصيحة من فيقة يعني من فتور ولا انقطاع). وبنحوه قال الحافظ ابن كثير: (أي مالها من رجعة تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها، أي اقتربت ودنت، وهذه الصيحة هي نفخة الفزع التي يأمر الله تعالى إسرافيل يُطَوِّلها فلا يبقى أحد في السماوات والأرض إلا فزع إلا من استثنى الله).
وقال القرطبي: (أي ما ينتظرون بعد ما أصيبوا ببدر إلا صيحة القيامة. قال: وقيل ما ينتظر أحياؤهم الآن إلا الصيحة التي هي النفخة في الصور، كما قال تعالى ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ وهذا إخبارٌ عن قرب القيامة والموت).
التفسير الثاني: الخطاب لجميع الأحزاب. قال النسفي: (﴿وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ﴾ وما ينتظر أهل مكة، ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأحزاب).
التفسير الثالث: الخطاب لكفار هذه الأمة إلى آخرها. أي ما ينتظر كفار آخر هذه الأمة المتدينين بدين أولئك إلا صيحة واحدة وهي النفخة. ذكره القرطبي.
وأما قوله: ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾. فإن العرب يلفظونها بالفتح والضم (فَواق) و (فُواق). قال الرازي في مختار الصحاح: (والفُوَاق بضم الفاء وفتحها ما بين الحلبتين من الوَقتِ لأنها تُحْلَبُ ثم تُتْرَك سُوَيعةً يَرْضَعُها الفصيل لِتَدُرَّ ثم تُحْلَب. يقال: ما أقام عنده إلا فُواقًا. قال: وقوله تعالى: ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ يُقرأ بالفتح والضم أي ما لَها من نَظرةٍ وراحة وإفَاقَةٍ). والفيقة بالكسر اسم اللبن الذي يجتمع بين الحَلْبتين كما قال الأعشى:

حتى إذا فيقةٌ في ضَرعِها اجتمعت جاءتْ لتُرضِعَ شِق النَّفْسِ لوْ رضعا
والمراد بشق النفس ولدها لأنه قطعة منها. وقد قرأها قراء المدينة والبصرة بالفتح (فَواق)، وقرأها قراء الكوفة بالضم (فُواق).
فقوله: ﴿صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ فيه أوجه من التأويل متقاربة:
الوجه الأول: الصيحة نفخة الفزع مالها من ارتداد ولا رجوع. فعن ابن عباس: (﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ يقول: من ترداد). وفي رواية عنه قال: (يقول ما لها من رجعة).
وقال قتادة: (يعني الساعة ما لها من رجوع ولا ارتداد). قال النسفي: (من أفاق المريض إذا رجع إلى الصحة وفواق الناقة ساعة يرجع الدّر إلى ضرعها، يريد أنها نفخة واحدة فحسب لا تثنى ولا تردد). قال القرطبي: (والمعنى المراد أنها ممتدة لا تقطيع فيها).


الصفحة التالية
Icon