الوجه الثاني: المراد ما لهؤلاء المشركين إذا سمعوا النفخة رجوع إلى الدنيا. فعن السُدّي: (﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ يقول: ليس لهم بعدها إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا).
الوجه الثالث: قيل المراد بالصيحة العذاب. أي: إن ما ينتظرون عذابٌ لا إفاقة منه. فقد روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: (لم تكن صيحة في السماء إلا بغضب من الله عز وجل على أهل الأرض).
وعن ابن زيد في قوله ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ قال: (ما ينتظرون إلا صيحة واحدة ما لها من فواق، يا لها من صيحة لا يفيقون فيها كما يفيق الذي يغشى عليه، وكما يفيق المريض تهلكهم ليس لهم فيها إفاقة).
قلت: وجملة القول أنَّ هؤلاء المشركين الذين يسلكون منهاج الأحزاب الماضية الذين تَحَزَّبوا على أنبيائهم ورسلهم بالعناد والتكذيب والاستهزاء بالوحي مدعوّون اليوم لأن ينالوا ما حاق بأولئك من قبلهم وكذلك من سيأتي بعدهم ويمضي على طريقتهم في الاستهزاء والكبر، فالكل ينتظرون صيحة العذاب في الدنيا والفزع يوم القيامة فتأتيهم بغتة بنفخة واحدة لا تقطيع فيها فلا يستطيعون رجوعًا إلى الدنيا، ولا إفاقة لهم من تبعاتها، ولا وقت ولا فرصة تُعطى لهم بعدها.
لقد أخرج الترمذي بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: [كيف أنعم وصاحبُ الصور قد التقمه وأصغى سمعه وحنى جبهته ينتظِرُ متى يؤمر بالنفخ؟ فقالوا: يا رسول الله! وما تأمرنا؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعمَ الوكيل] (١).
وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾. قال الفراء: (القطّ في كلام العرب الحظّ والنصيب). وقال أبو عبيدة: (القِطّ الكتاب بالجوائز والجمع القطوط). وقال الرازي: (القِط الكتاب والصَّك بالجائزة ومنه قوله تعالى: ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾). ففي لغة العرب يقال للنصيب قِطٌّ وللكتاب المكتوب بالجائزة قطّ. وفي الآية وجوه من التأويل:
التأويل الأول: المراد تعجيل العذاب في الدنيا. قال ابن عباس: (سألوا الله أن يعجل لهم العذاب قبل يوم القيامة). وقال مجاهد: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ قال:

(١) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في السنن (٢٤٣١). انظر صحيح سنن الترمذي (١٩٨٠).


الصفحة التالية
Icon