﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ﴾ فيه الفتوى في النازلة بعد السماع من أحد الخصمين، وقبل أن يسمع من الآخر بظاهر هذا القول. قال ابن العربي: (وهذا مما لا يجوز عند أحد، ولا في ملة من الملل، ولا يمكن ذلك للبشر). أي فلا بد أن يسمع من الخصم والطرف الآخر.
وقد ذكر القرطبي قول الحليمي أبي عبد الله في كتاب منهاج الدين له: (أخبر الله عز وجل عن داود عليه السلام، أنه سمع قول المتظلم من الخصمين، ولم يخبر عنه أنه سأل الآخر، إنما حكى أنه ظلمه، فكان ظاهر ذلك أنه رأى في المتكلم مخائل الضعف والهضيمة، فحمل أمره على أنه مظلوم كما يقول، ودعاه ذلك إلى ألّا يسأل الخصم، فقال له مستعجلًا: ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ﴾ إلى أن قال: ولما تكلم داود بما حملته العجلة عليه، علم أن الله عز وجل خلاه ونفسه في ذلك الوقت، وهو الفتنة التي ذكرناها، وأن ذلك لم يكن إلا عن تقصير منه، فاستغفر ربه وخرّ راكعًا لله تعالى شكرًا على أن عصمه بأن اقتصر على تظليم المشكو، ولم يزده على ذلك شيئًا من انتهار أو ضرب أو غيرهما، مما يليق بمن تصور في القلب أنه ظالم، فغفر الله له ثم أقبل عليه يعاتبه فقال: ﴿يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فبان بما قصه الله تعالى من هذه الموعظة، التي توخاه بها بعد المغفرة، أن خطيئته إنما كانت التقصيرَ في الحكم، والمبادرةَ إلى تظليم من لم يثبت عنده ظلمه. ثم جاء عن ابن عباس أنه قال سجدها داود شكرًا، وسجدها النبي -صلى الله عليه وسلم-صلى الله عليه وسلم- اتباعًا، فثبت أن السجود للشكر سنة متواترة عن الأنبياء صلوات الله عليهم).
قلت: وهذا الفهم أليق عندي بمقام النبوة وشرف من اصطفاهم الله بالرسالة وبتبليغ الأمانة وامتثال منهج الوحي والحكم به، ولعمر الله كمن سُوِّدَتْ صفحات في كتب التفسير وأوراق المفسرين حتى الأعلام منهم، من قصص لا تليق بمقام وشرف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، دسَّها المبطلون والكذبة من بني إسرائيل وأمثالهم، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-صلى الله عليه وسلم- بقوله: [إن بني إسرائيل لما هلكوا قصّوا]، أي اشتغلوا بالحكايات والخرافات لما تركوا العلم وأعرضوا عنه واستصعبوا منهج العمل، فنسبوا هنا لداود عليه السلام أن طلب من الله أن يتركه وَيَكَلِهُ لنفسه ساعة ظنًا أنه لا يفتن من كثرة وشدة عبادته، وركبّوا قصة تافهة في ذلك من أنه لبس الصوف ودخل المحراب ووضع الزبور بين يديه فوقع طائر بين يديه فأتبعه بصره فإذا به قد أتى على سطح تغتسل عليه امرأة عريانة فرأى أجمل النساء خَلْقًا فأرسل إلى عامله أن يبعث زوجها إلى ساحات القتال فقُتِلَ فنكح