امرأته، إلى آخر أمثال هذه التوافِه التي تُشْغِل قلوب قوم غضب الله عليهم وأحلوا ما حرَّم وحرَّموا ما أحل، وإنما الأليق في هذه المناسبة أن تبقى النعاج محمولة على مدلولها كما يفهمه العرب، فالقرآن ليس بكتاب شعر أو نثر تنظمه الكنايات والاستعارات، بل هو صريح في أوامره ونواهيه، وإذا ما شبّه أو استعار دلّ على ذلك بأدوات التشبيه والتمثيل ليعود إلى الأصل بعد ذلك الذي هو إحقاق الحق وإبطال الباطل، ولو فتح الباب هنا لما بقيت آية على مدلولها ولضاع الوحي والأمر والنهي، فمدلول الآية هنا واضح في تثبيت منهج العدل عند داود عليه السلام بأن يسمع للطرف الآخر من المتخاصمين ليقيم بذلك أحسن القضاء وأمثله. وفي السنة فيض من ذلك كثير:
فقد أخرج الترمذي في جامعه بإسناد حسن عن علي رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-صلى الله عليه وسلم- قال: [إذا تقاضى إليكَ رجلانِ فلا تقضِ للأول حتى تسمع كلامَ الآخر، فسوف تدري كيف تقضي] (١).
وفي المسند وصحيح الحاكم وسنن البيهقي بإسناد حسن عن علي أيضًا رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-صلى الله عليه وسلم- قال: [إذا جلس إليك الخصمان فسمعتَ من أحدهما، فلا تقض لأحدهما حتى تسمعَ من الآخر كما سمعتَ من الأول، فإنك إذا فعلت ذلك تبين لكَ القضاء] (٢).
وفي الصحيحين والمسند عن ابن عباس مرفوعًا: [لو يُعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه] (٣).
وقد أخرج البيهقي والشافعي عن ابن المسيب: [أن رجلين اختصما إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-صلى الله عليه وسلم- في أمر فجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة فأسهم النبي -صلى الله عليه وسلم-صلى الله عليه وسلم- بينهما].
فدلّ النبي -صلى الله عليه وسلم-: أولًا: بهديه في القضاء وبمنهاجه في الحكم بأن العدل أن يسمع من كلا المتخاصمين، وعند الاختلاف والغموض يطلب شهادة الشهود وحلف اليمين ثم يقضي. وأصل ذلك:
ما روى الإمام البخاري والإمام مسلم -واللفظ للبخاري- عن الأشعث بن قيس الكندي قال: [كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-صلى الله عليه وسلم-،
(٢) حديث حسن. أخرجه الحاكم (٤/ ٩٣) برقم (٧٠٢٥) من حديث علي وصححه، ووافقه الذهبي.
ورواه أحمد (٢/ ٧٤٥)، والبيهقي بإسناد حسن. انظر صحيح الجامع (٤٩١).
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٥٥٢)، كتاب التفسير. ومسلم (١٧١١) في الأقضية.