قضائك على العدل والعمل بالحق عن طريق الله الذي جعله لأهل الإيمان فيه، فتكون من الهالكين بضلالك عن سبيل الله). وأما معنى الخلافة فهو الاستخلاف كما قال ابن جرير: (وقلنا لداود: يا داود إنا استخلفناك في الأرض من بعد من كان قبلك من رسلنا حكمًا بين أهلها). وبه قال القرطبي رحمه الله: (أي ملكناك لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فتخلف من كان قبلك من الأنبياء والأئمة الصالحين).
وهذه الآية أصل في وجوب التحاكم إلى منهج الله فهو الشرع العظيم، الذي به الأحكام والأقضيات تستقيم، كما قال لنبيّه محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾، وقال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾. وقال للمؤمنين: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾.
فقد رُوي عن الشعبي أنه قال: (كان بين عمر وأُبيّ خصومة، فتقاضيا إلى زيد بن ثابت، فلما دخلا عليه أشار لعمر إلى وسادته، فقال عمر: هذا أول جورك، أجلسني وإياه مجلسًا واحدًا، فجلسا بين يديه).
وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾. قال عكرمة: (هذا من التقديم والتأخير يقول: لهم يوم الحساب عذاب شديد بما نسوا). وعن السدي: (أي لهم عذاب شديد بمَا تركوا أن يعملوا ليوم الحساب).
وغاية القول: أنّ الله سبحانه قد أرشد الحكام بهذه الآية العظيمة ليقوموا بمنهاج الوحي في الحكم، والعدل في القضاء، فإنهم موقوفون يومًا بين يدي الجبار العظيم جل ثناؤه، فسائلهم عن مواقف حكمهم، وعن حجج قضائهم وفصلهم، في أمور مَنْ وَكّلهم الله برعايتهم وإدارة شؤونهم من عباده وخلقه.
كما أخرج الطبراني بسند صحيح عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-صلى الله عليه وسلم- قال: [القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، قاضٍ قضى بالهوى فهو في النار، وقاض قضى بغير عِلمٍ فهو في النار، وقاض قضى بالحق فهو في الجنة] (١).
وفي صحيح ابن حبان ومعجم الطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه

(١) حديث صحيح. رواه الطبراني بإسناد صحيح من حديث ابن عمر. ورواه أبو داود بنحوه. انظر صحيح أبي داود (٣٠٥١)، وصحيح الجامع (٤٣٢٣).


الصفحة التالية
Icon