عن النبي -صلى الله عليه وسلم-صلى الله عليه وسلم- قال: [القُرآن شافِعٌ مُشَفَّعٌ، وماحِلٌ مُصَدَّق، مَنْ جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار] (١).
وقد روي أن الوليد بنَ عبد الملك قال لأبي زرعة وكان قد قرأ الكتاب: أيحاسب الخليفة فإنك قد قرأت الكتاب الأول وقرأت القرآن وفقهت، فقلت يا أمير المؤمنين: أقول؟ قال: قل في أمان الله، قلت: يا أمير المؤمنين أنت أكرم على الله أو داود عليه الصلاة والسلام، إن الله تعالى جمع له النبوة والخلافة ثم توعده في كتابه فقال تعالى: ﴿يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾. ذكره الحافظ ابن كثير عن ابن أبي حاتم.
قال القاسمي رحمه الله: (وقال الرازي: اعلم أن الإنسان خلق مدنيًّا بالطبع. لأن الإنسان الواحد لا تنتظم مصالحه إلا عند وجود مدنية تامة. حتى هذا يحرث وذاك يطحن وذلك يخبز وذلك ينسج والآخر يخيط. وبالجملة، فيكون كل واحد منهم مشغولًا بمهم. وينتظم من أعمال الجميع مصالح الجميع. فثبت أن الإنسان مدني بالطبع. وعند اجتماعهم في الموضع الواحد يحصل بينهم منازعات ومخاصمات. ولا بد من إنسان قادر قاهر يقطع تلك الخصومات ويفصل تلك الحكومات. وذلك هو السلطان الذي ينفذ حكمه على الكل. فثبت أنه لا تنتظم مصالح الخلق إلا بسلطان قاهر سائس. ثم إن ذلك السلطان القاهر السائس، إن كان حكمه على وفق هواه، ولطلب مصالح دنياه، عظم ضرره على الخلق. فإنه يجعل الرعية فداء لنفسه، ويتوسل بهم إلى تحصيل مقاصد نفسه. وذلك يفضي إلى تخريب العالم ووقوع الهرج والمرج في الخلق. وذلك يفضي بالآخرة إلى هلاك ذلك الملك: أما إذا كانت أحكام ذلك الملك مطابقة للشريعة الحقة الإلهية، انتظمت مصالح العالم واتسعت أبواب الخيرات على أحسن الوجوه: فهذا هو المراد من قوله: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ يعني لا بد من حاكم بين الناس بالحق فكن أنت ذلك).
٢٧ - ٤٠. قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي

(١) إسناده جيد. أخرجه ابن حبان (١٧٩٣)، وله شاهد عند الطبراني في "الكبير" (٣/ ٧٨/ ٢)، وعند أبي نعيم في "الحلية" (٤/ ١٠٨). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢٠١٩).


الصفحة التالية
Icon