الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩) وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (٣١) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (٣٢) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (٣٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (٣٤) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٣٨) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠)}.
في هذه الآيات: يخاطب الجبار سبحانه نبيّه عليه الصلاة والسلام بأنه ما خلق الخلق إلا لعبادته وتعظيمه، وما خلق السماوات والأرضين عبثًا ولهوًا، بل لخدمة الحق الذي هو غاية الخلق ومعنى الأمن في الدنيا والآخرة، ولكن الذين كفروا يظنون بالأمر لهوًا ولعبًا، ويسخرون ولا يدرون أنهم سيصلون جحيمًا وسعيرًا، فهل الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بما يحبّ واجتنبوا ما يسخطه سبحانه كالمفسدين في الأرض من المشركين والمستكبرين والطغاة والمجرمين، وهل الذين اتقوا الله وراقبوه وعظموا أمره كالفجار الذين انتهكوا حرماته وتحاكموا لأهوائهم وشهواتهم، وعطّلوا شرعه في الأرض وتركوا منهاجه، فهذا يا محمد كتاب عظيم هو القرآن الكريم، أنزلناه إليك ليتدبروا حججه وبيانه وليستعد أولو النهى والعقل للقاء الله الذي أنزله وتكلم به. فهذا سليمان عليه السلام ابن ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- الكريم داود عليه أفضل الصلاة والتسليم مضى على منهاج والده وأكرمه الله بالنبوة كأبيه فكان كثير الطاعة والإنابة والعبادة جمع الله له من أسباب الملك والتمكين ما لم يسبقه له أحد من الملوك وأولي العزم، فقد آتاه الله علمًا وقوة، فاستعرض يومًا في مملكته وسلطانه الخيل الصافنات السراع وهي التي تقف على ثلاث وطرف حافر الرابعة، فشغل بها ففاتته صلاة العصر نسيانًا فهرع إلى ربه عز وجل وجعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبًا لها كيف شغلته عن صلاته وعبادته، ثم فتنه سبحانه فالقى جسد شيطان على كرسيه متمثلًا بإنسان يسلبه ملكه فأناب سليمان إلى الله الملك القدوس فرجع إلى ملكه وأقبل على ربه سبحانه مستغفرًا


الصفحة التالية
Icon