وقوله: ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّار﴾. أي: فظنوا الأمر عبثًا، والخلق لهوًا، والغاية لعبًا، فأضاعوها سكرًا وهزوًا، واستخفوا بأمر الآخرة والبعث بعد الموت وما أيقنوا بها وبما ينتظرهم فويل لهم مما ينتظرهم.
وقوله تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾. هو كقوله في سورة السجدة: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠)﴾. وفي الآية ردّ على المرجئة بقولهم: يجوز أن يكون المفسد كالصالح أو أرفع درجة منه، وبأنه لا يضر مع الإيمان ذنب، كلا فإن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعات وينقص بالسيئات والموبقات.
قال ابن عباس: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ أي أنجعل أصحاب محمد عليه السلام كالكفار). قال القرطبي: (وقيل هو عام في المسلمين المتقين والفجار الكافرين وهو أحسن، وهو ردّ على منكري البعث الذين جعلوا مصير المطيع والعاصي إلى شيء واحد). ونقل القاسمي عن المهايمي قوله: (أي: أنترك البعث بالكلية، أم نبعث ونجعل الذين آمنوا فشكروا نعمة العقل والكتاب. وعملوا الصالحات فشكروا نعمة الأعضاء، كالمفسدين، بصرف العقل والأعضاء إلى غير ما خلقت له؟ ﴿أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ﴾ مخالفةَ أمر الله رعاية لمحبته. ﴿كَالْفُجَّارِ﴾ الذين يخالفون أوامر الله ولا يبالون بعداوته. أي لا نفعل ذلك ولا يستوون عند الله).
وقوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. أي: فهذا القرآن أنزلناه إليك يا محمد ليتدبروا حُجَجَ الله فيه وليفهموا ما أمرهم وما نهاهم وليقوموا بمقتضاه وبشرائعه فيتعظوا ويعملوا لينجوا في الآخرة.
وعن السدي: (﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ قال: أولو العقول). وروي عن الحسن البصري قوله: (والله ما تدبُّرُه بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده، حتى أن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل). والألباب جمع لبٍّ وهو العقل. وفي قوله: ﴿لِيَدَّبَّرُوا﴾ قراءتان مشهورتان:
القراءة الأولى: وهي قراءة جمهور القراء ﴿لِيَدَّبَّرُوا﴾ أي ليتدبر هذا القرآن قومُكَ يا محمد. والقراءة الثانية: هي قراءة عاصم وأبي جعفر (لِتَدَّبَّروا) آياته: أي لتتدبره أنت


الصفحة التالية
Icon