راغمة، ومن كانت الدنيا همَّهُ، جعل الله فقرَه بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له] (١).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ أي: فهم أخيار مختارون من بين أجناسهم اجتباهم الله وَقَرَّبَهم وهيأهم لمهماتٍ من عنده واختصاصات رفيعة من أمره. ومصطفين جمع مصطفى والأخيار جمع خَيِّر. قال القرطبي رحمه الله: (أي الذين اصطفاهم من الأدناس واختارهم لرسالته).
وقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (٤٨) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾. قال ابن جرير: (يقول: واذكر يا محمد إسماعيل واليسع وذا الكفل وما أبلوْا في طاعة الله فتأسَّ بهم، واسلك مناهجهم في الصبر على ما نالك في الله، والنفاذ لبلاغ رسالته. هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد ذكر لك ولقومك ذكرناك وإياهم به).
واليسع خليفة (إلياس) ويقال له بالعبرانية (اليشاع) كما يسمون إلياس (إيليا). وعن السدي: (قوله: ﴿هَذَا ذِكْرٌ﴾ قال: القرآن. وقوله: ﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ قال: لحسن منقلب). قال النسفي: (أي هذا شرف وذكر جميل يذكرون به أبدًا وإن لهم مع ذلك لحسن مرجع. يعني يذكرون في الدنيا بالجميل ويرجعون في الآخرة إلى مغفرة رب جليل).
ثم وصف هذا النعيم وروعته وظلاله بقوله: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾. أي إذا جاؤوها فتحت أبوابها كما قال جل ثناؤه في سورة الزمر: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾. فقوله: ﴿مُفَتَّحَةً﴾ أي تفتح لهم بالأمر لا بالمس، وقيل تفتَحها الملائكة لهم. قال الحسن: (أبواب تكلم فتكلم: انفتحي، انغلقي). قال القاسمي: (أي متى جاؤوها يرونها في انتظارهم). وروى ابن جرير عن قتادة أثرًا حيث قال: (سأل عمر كعبًا ما عَدن؟ قال: يا أمير المؤمنين قصور في الجنة من ذهب يسكنها النبيون والصديقون والشهداء وأئمة العدل). ثم قال أبو جعفر: (فإن الفائدة في ذلك إخبار الله تعالى عنها أن أبوابها تفتح لهم بغير فتح سكانها إياها بمعاناة بيد ولا جارحة).
وفي الصحيحين عن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [إن للمؤمن في الجنة