سورة هود قوله: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾، وقوله في سورة الرعد: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ﴾ ما يشبه ذلك المعنى.
قلت: فكافأ الله المتقين بألوانٍ مختلفة من الملاذ والنعيم. من الأَسِرَّة المنعّمة بألين الفرش يتكئون عليها، ومن الفاكهة اللذيذة المتنوعة يأكلون منها، ومن المشروبات الملونة المختلفة يلتذون بالشراب منها، ومن الزوجات الحسان -لا ينظرن إلى غير أزواجهن، بل ويمنعن طرف الأزواج أن تنظر لغيرهن من فرط جمالهن وحسنهن- يتلذذن بها، جزاء الغربة لأهل الحق ومكافأة التقوى وحراسة الدين وتعظيم شرع الله والجهاد في سبيله ولزوم التحاكم إلى منهاجه ومنهاج أنبيائه، يرون ذلك رزقًا يوم القيامة لا انقطاع له ولا ملل منه، بل هو نعيم متجدد، في عافية وسرور، وغبطة وسكن في الغرف والقصور، فنسأل الله برحمته أن يبلغنا منازل أنبيائه وأوليائه إنه سميع قريب مجيب.
فقد خرّج الإمام البخاري في صحيحه عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [غَدْوةٌ في سبيل الله أو رَوْحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأةً من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأت ما بينهما ريحًا، ولنَصيفُها (١) على رأسها خير من الدنيا وما فيها] (٢).
وفي جامع الترمذي عن أنس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [يُعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع. قيل يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو يطيق ذلك؟ قال: يُعطى قوة مئة] (٣). وفي رواية: [يُعطى المؤمن في الجنة قوة مئة في النساء].
وقوله تعالى: ﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.
فبعد أن ذكر سبحانه حال المتقين ومستقبلهم، استأنف بذكر حال الأشقياء وما ينتظرهم، بما استهزؤوا بالله وآياته ورسله وبما استكبروا في الأرض عن تحكيم شرعه ودينه، وبما أخلفوا الله ما وعدوه وعاشوا لخدمة شهواتهم وغرائزهم وأهوائهم وأفسدوا في الأرض وسفكوا الدم الحرام وأكلوا المال الحرام.

(١) النصيف: الخمار.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٦٥٦٨) -كتاب الرقاق. باب صفة الجنة والنار.
(٣) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في السنن (٢٥٣٦). انظر صحيح سنن الترمذي (٢٠٥٩).


الصفحة التالية
Icon