فعن السدي قوله: ﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ﴾ قال: (لشرَّ منقلب). وأما قوله: ﴿هَذَا﴾ فهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره (الأمر هذا). والوقف على ﴿هَذَا﴾ حسن ثم تستأنف بقوله ﴿وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ﴾. قال ابن جرير: (وهم الذين تمردوا على ربهم فعصوا أمره مع إحسانه إليهم). وقال القرطبي: (وهم الذين كذبوا الرسل). ﴿لَشَرَّ مَآبٍ﴾ ومنقلب يصيرون إليه، فبئس ما مهدوا لأنفسهم وبئس ما اجترحوا مما هدّد مستقبلهم، فترجم عن المآب أنه جهنم. أي: فبئس الفراش الذي افترشوه لأنفسهم جهنم يصلونها فلا مفرّ لهم منها.
وقوله تعالى: ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾.
الحميم هو الذي قد أغلي حتى انتهى حره. قال السّدي: (الحميم الذي قد انتهى حَرُّه). وقال ابن زيد: (الحميم دموع أعينهم، تجمع في حياض النار فيسقونه). وقوله: ﴿هَذَا﴾ في محل رفع مبتدأ وخبره ﴿حَمِيمٌ﴾، فهو على التقديم والتأخير، والتقدير: أي هذا حميم وغساق فليذوقوه. وجوّز بعض أهل العربية أن يكون خبر "هذا" جملة "فليذوقوه"، وعندئذ يكون "حميم" خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هذا). كما جوّز بعضهم أن يكون هذا في محل نصب بفعل مضمر يفسره (فليذوقوه).
وأما قوله: ﴿وَغَسَّاقٌ﴾ ففيه قراءتان:
القراءة الأولى: قراءة قراء الكوفة بتشديد السين (وغسَّاق)، فهو اسم فاعل نقل إلى فعّال للمبالغة كضّراب وقتّال.
القراءة الثانية: وهي قراءة قراء الحجاز والبصرة وبعض الشاميين (وغسَاق) بتخفيف السين فهو كعذاب وجواب، وكلاهما مشهور في عالم القراءة والقراء.
وغسّاق من غَسَق يغسِقُ من الغسوق فهو غسّاق وغاسِق. قال الرازي: (والغسّاق البارد المُنْتِن يُخَفّف ويشدد). وجاء في معنى الغسّاق هنا في الآية أكثر من تأويل:
التأويل الأول: الغسّاق الزمهرير. فعن ابن عباس قال: (هو الزمهرير يخوفهم ببرده). قال الحافظ ابن كثير: (أما الحميم فهو الحار الذي بلغ أشد درجات الحرارة، وأما الغساق فهو البارد الذي لا يستطاع من شدة البرد المؤلم).
التأويل الثاني: الغساق الثلج البارد غاية البرد، فلا يستطاع برده. فعن مجاهد قوله: ﴿وَغَسَّاقٌ﴾، قال: (بارد لا يُستطاع). وقال مقاتل: (هو الثلج البارد الذي قد


الصفحة التالية
Icon