انتهى برده). وقيل: إنه يحرف ببرده كما يحرق الحميمُ بِحَرِّه. وفي لغة العرب يقال ليل غاسق لأنه أبرد من النهار.
التأويل الثالث: الغسّاق ما يسيل من جلود أهل النار. فعن قتادة قال: (كنا نحدَّث أن الغسّاق: ما يسيل من بين جلده ولحمه).
التأويل الرابع: الغسّاق ما يسيل من أعينهم وبكائهم. قال السُّدي: (الغسّاق الذي يسيل من أعينهم من دموعهم يُسْقونه مع الحميم). وقال ابن زيد: (الحميم دموع أعينهم، يجمع في حياض النار فيسقونه، والصديد الذي يخرج من جلودهم).
التأويل الخامس: الغسّاق هو الصديد والقيح الغليظ يخرج من جلودهم. فعن ابن زيد قال: (الغسّاق الذي يجمع من جلودهم مما تصهرهم النار في حياض يجتمع فيها فيُسقونه). وعن قتادة قال: (هو ما يسيل من فروج الزناة، ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم من الصديد والقيح والنتَنْ). وقال محمد بن كعب: (هو عصارة أهل النار). قال القرطبي: وهذا القول أشبه باللغة، يقال: غَسَقَ الجرح يغسِق غسقًا إذا خرج منه ماء أصفر. قلت وقد جاء في الأثر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ما يناسب هذا التأويل حيث قال: (هو القَيْح الغليظ، لو أن قطرة منه تُهراق في المغرب لأنتنت أهل المشرق، ولو تُهراق في المشرق لأنتنت أهل المغرب).
التأويل السادس: الغسّاق المنتن. فعن عبد الله بن بريدة قال: (الغسّاق المنتن وهو بالطّخارية). أي بلغة طرخستان ببلاد العجم، فهي غير عربية الأصل.
قلت: وغاية التأويل أن يقال: إن الله سبحانه قد أوعد أهل الكبر والطغيان عذابه ونيرانه، يسومهم فيها سوء الحال والضيافة والمقام، من الحميم الحار الذي يُشقي الجلود والأجساد، ومن الزمهرير القارس الذي يشرِّد العقل والبال، ومن الشراب المنتن الذي يسيل من قيح أجسامهم وفروج زناتهم ونتن جروحهم يشربونه فبئس الشراب وبئس المآل، بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما استهزؤوا بالوحي الذي فيه حياتهم في الدنيا وسعادتهم في الآخرة.
وأما قوله: ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾، فقد قرأها القراء على لونين:
القراءة الأولى: وهي قراءة قراء المدينة والكوفة (وآخَرُ) على التوحيد: أي وعذاب آخر من نحو الحميم والغساق.