والقراءة الثانية: هي قراءة بعض البصريين والمكيين (وأخَرُ) على الجمع، والأول أشهر.
وفي معنى الآية أقوال:
القول الأول: المقصود الزمهرير. فعن السُّدي عن مُرَّة عن عبد الله: ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ قال: الزمهرير). وكذلك روي عن ابن مسعود قال: (هو الزمهرير).
القول الثاني: المقصود من شكل ومثل ذلك العذاب. فعن ابن عباس قال: (يقول من نحوه). وقال الحسن: (ذكر الله العذاب فذكر السلاسل والأغلال وما يكون في الدنيا ثم قال: ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ قال: وآخر لم ير في الدنيا). قال: (ألوان من العذاب). وعن قتادة: ﴿أَزْوَاجٌ﴾، قال: زوج زوج من العذاب). وقال ابن زيد: (من كل شَكْل ذلك العذاب الذي سمى الله أزواج لم يسمها الله. قال: والشكل: الشبيه). وقال ابن كثير: (الشيء وضده يعاقبون بها كالزمهرير والسموم وشرب الحميم وأكل الزقوم والصعود والهَوِي إلى غير ذلك من الأشياء المختلفة المتضادة والجميع مما يعذبون به ويهانون بسببه).
قلت: القراءة الأولى (وآخَرُ) على التوحيد أشهر بين القراء. والذين اختاروا الجمع (وأُخَرُ) كأنه لا يصلح عندهم أن يكون الأزواج -وهي جمع- صفة ونعتًا لواحد. وقد أشار ابن جرير رحمه الله ردًا على ذلك فقال: (والعرب لا تمنع أن ينعت الاسم إذا كان فعلًا بالكثير والقليل والاثنتين فتقول: عذاب فلان أنواع ونوعان مختلفان). وغاية المعنى أن الكفار والطغاة سيفجؤهم الله بالوان من العذاب من جنس ما يعلمون ومن جنس ما لا يعلمون، فلا أحد يحكم بِغير منهج الله وهديه وشرعه إلا مُهَدَّدٌ في الآخرة بألوان الخزي والعذاب، وذلك إذا علم الحق فاستكبر عنه وآثر الخلود إلى الأرض والتراب.
وقوله تعالى: ﴿هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ﴾ - فيه تفاسير:
التفسير الأول: أنه من قيل الرؤساء للأتباع. فعن قتادة قال: (هؤلاء التّباع يقولون للرؤوس). وقال ابن زيد: (الفوج: القوم الذين يدخلون فوجًا بعد فوج، وقرأ ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ التي قبلها). قال ابن كثير: (يعني بدل السلام يتلاعنون ويتكاذبون ويكفر بعضهم ببعض). وقال ابن جرير: (هذا فرقة وجماعة مقتحمة معكم أيها الطاغون النار، وذلك دخول أمة من الأمم الكافرة بعد أمة ﴿لَا مَرْحَبًا بِهِمْ﴾: قال: وهذا خبر من