الله عن قيل الطاغين الذين كانوا قد دخلوا النار قبل هذا الفوج المقتحِم للفوج المقتحَم فيها عليهم، لا مرحبا بهم ولكن الكلام اتصل فصار كأنه قول واحد كما قيل: ﴿يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ فاتصل قول فرعون بقول ملئه). وقال القاسمي: (أي هذا جمع كثيف من أتباعكم وأشباهكم، أهل طبائع السوء والرذائل المختلفة، مقتحم معكم في مضايق المذلة ومداخل الهوان. والاقتحام ركوب الشدة والدخول فيها).
التفسير الثاني: أنه من قول الخزنة للقادة والرؤساء.
فعن ابن عباس قال: (هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع، قالت الخزنة للقادة ﴿هَذَا فَوْجٌ﴾ يعني الأتباج والفوج الجماعة ﴿مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ﴾ أي داخل النار معكم، فقالت السادة: ﴿لَا مَرْحَبًا بِهِمْ﴾ أي لا اتسعت منازلهم في النار).
التفسير الثالث: أن قوله: ﴿إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ﴾ من قيل القادة أو من قيل الملائكة. فقد ذكر القرطبي في تفسيره: ﴿إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ﴾ قيل: هو من قول القادة، أي إنهم صالوا النار كما صليناها. وقيل: هو من قول الملائكة متصل بقولهم: ﴿هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ﴾ و ﴿قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ﴾ هو من قول الأتباع. وحكى النقاش: إن الفوج الأول قادة المشركين ومطعموهم يوم بدر، والفوج الثاني أتباعهم ببدر. قال القرطبي: والظاهر مِنَ الآية أنها عامة في كل تابع ومتبوع).
قلت: والآية عامة في حق كل الطغاة والمستكبرين في الأرض، وشأنهم مع أتباعهم ومرؤوسيهم، فإذا ما أفضوا إلى الآخرة وعاينوا العذاب والخزي تبرأ كل من متبوعه ومرؤوسه وتقطعت بهم الأسباب، كما قالَ سبحانه في سورة البقرة: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ﴾، وكقوله في سورة فصلت ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ﴾، وكقوله في سورة غافر: ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (٤٧) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ﴾، وكقوله في سورة سبأ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.