والتفسير الأول أرجح لقوله تعالى بعد ذلك: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾. فأذاقهم الله الخزي هم وأتباعهم يوم القيامة، وفضح سبحانه مكر رؤسائهم وقادتهم وما بيتوا وما دبروا لإبعاد منهج الله عن الأمر والحكم، وأذلهم بحوار مليء بالهوان والندامة بينهم وبين مرؤوسيهم ومتبوعيهم، وشاركت الملائكة الكرام في تهيئة شقائهم وصغارهم.
فقد أخرج الإمام أحمد في المسند، والترمذي في الجامع، بسند حسن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [يُحْشَرُ المتكبرون يوم القيامة أمثالَ الذرِّ في صُورِ الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يُساقون إلى سجن في جهنم يسمى بُولُسَ، تعلوهم نارُ الأنيار، يُسْقَون من عصَارةِ أهل النارِ، طينةِ الخبالِ] (١).
وأصل الرحب في لغة العرب السعة. قال أبو عبيدة: العرب تقول: لا مرحبًا بك، أي لا رحبت عليك الأرض ولا اتسعت، فخرج كلام الرؤساء مخرج الدعاء، فردّ عليهم المرؤوسون بقولهم: ﴿قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾. أي أنتم دعوتمونا إلى ما أفضى بنا إلى هذا المصير فبئس المنزل وبئس المستقر والمصير، فلا مرحبًا بكم أيها الرؤساء بما قدمتم لنا هذا المستقبل المؤلم بإضلالنا وإغوائنا. قال القاسمي: (أي أنتم أحق بما قلتم، لتضاعف عذابكم بضلالكم وإضلالكم).
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ﴾. هو كقوله في سورة النحل: ﴿وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ﴾. وكقيله في سورة الأعراف: ﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. أي لكل منكم ما يستحق من العذاب والنكال.
قال ابن مسعود: (معنى عذابًا ضعفًا في النار الحيات والأفاعي). قال ابن جرير: (يعنون: من قدّم لهم في الدنيا بدعائهم إلى العمل الذي يوجب لهم النار التي وردوها وسكنى المنزل الذي سكنوه منها).
وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (٦٢) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾. قال مجاهد: (ذاك أبو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة، وذكر أناسًا