العبادة وتنبغي له الربوبية إلا الله، إليه يدين كل شيء ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ العزيز في نقمته من أهل الكفر به، المدّعين معه إلهًا غيره، الغفار لذنوب من تاب منهم ومن غيرهم من كفره ومعاصيه، فأناب إلى الإيمان به، والطاعة له بالانتهاء إلى أمره ونهيه). وقال ابن كثير: (﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ الآية: أي قهر كل شيء وحده وغلبه، مالك جميع الكون متصرف فيه، غفار مع عظمته وعزته). والعزيز هو المنيع الذي لا مثل له، والغفار هو الستار لذنوب خلقه وعباده.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾. أي: قل يا محمد لهم إنّ ما أنذركم به أمر عظيم، كما قال جل ثناؤه: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ﴾. وفيه تفاسير:
التفسير الأول: النبأ العظيم هو إرسال هذا النبي عليه الصلاة والسلام. قال الحافظ ابن كثير: (قل لهم هو خبر عظيم وهو إرسالي إليكم من قِبَله تعالى بالقرآن أنتم عنه معرضون: غافلون). وقال النسفي: (أي هذا الذي أنبأتكم به من كوني رسولًا منذرًا وأن الله واحد لا شريك له ﴿نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾ لا يعرض عن مثله إلا غافل شديد الغفلة).
التفسير الثاني: النبأ العظيم هو القرآن. قال ابن جرير: (قل يا محمد لمكذبي قومك بالقرآن القائلين ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ قل لهم ﴿هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾). وذكر آثارًا بذلك عن التابعين. فعن مجاهد في قوله: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ قال: (القرآن).
وعن ابن سيرين عن شريح أن رجلًا قال له: (أتقضي عليّ بالنبأ)؟ فقال له شريح: (أوليس القرآن نبأ؟ قال: وتلا هذه الآية: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾ قال: وقضى عليه). وعن السدي قال: (القرآن، أنتم عنه منصرفون لا تعملون به، ولا تصدقون بما فيه من حجج الله وآياته). وعن قتادة قال: (يعني القرآن الذي أنبأكم به خبر جليل).
التفسير الثالث: النبأ العظيم هو الإنذار بالحساب والثواب والعقاب. قال القرطبي: (أي ما أنذركم به من الحساب والثواب والعقاب خبر عظيم القدر فلا ينبغي أن يُسْتَخَفَّ به). وقال القاسمي: (أي الذي أنذرتكم به من التوحيد ومن البعثة به ﴿نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾). وقيل عظيم المنفعة.
قلت: وهي اختلافات تنوع لا تضاد، شأن الراسخين في التفسير من علماء الصحابة والتابعين دومًا، فما اختلفوا في حلال وحرام، أو في سنة وبدعة، أو في إيمان وكفر، بل كانوا يُحَلِّقون دومًا حول المعنى، وغاية القول هنا، أنّ الله يأمر نبيّه


الصفحة التالية
Icon