صلوات الله وسلامه عليه لينذرهم شرّ التمادي والكبر والعناد، فما هم بمعجزين شأن أمثالهم ممن أهلكوا ودُمِّروا لما ركنوا إلى شهواتهم وتحاكموا لها، فهذا النبي والقرآن وما فيه من الوعد والوعيد والثواب والنكال والعقاب، حَرِيٌّ بالانتباه له والاستعداد لوعده ووعيده، وخشية الله العظيم من انتقامه وبطشه وغضبه، وترك العجب والكبر ممن يعجب برأيه وعقله ونفسه.
لقد روى الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أنس عن النبي - ﷺ - قال: [ثلاثٌ مُنْجيات: خَشْيةُ الله تعالى في السرِّ والعلانية، والعدلُ في الرِّضا والغضب، والقصد في الفقر والغِنى. وثلاث مُهْلِكات: هوىً متبع، وشحٌّ مُطاع، وإعجاب المرء بنفسه] (١).
وقوله: ﴿أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾. أي غافلون. قال السدي: (أنتم عنه منصرفون لا تعملون به ولا تصدقون بما فيه من حجج الله وآياته). قال القاسمي: (﴿أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ لتمادي غفلتكم. فإن العاقل لا يعرض عن مثله. كيف وقد قامت عليه الحجج الواضحة. أما على التوحيد، فما مرّ من آثار قدرته وصنعه البديع. وأما على بعثته - ﷺ - به، فقوله: ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ أي فإن إخباره عن محاورة الملائكة وما جرى بينهم، على ما ورد في الكتب المتقدمة، من غير سماع ومطالعة كتاب، لا يتصور إلا بالوحي). والملأ الأعلى هم الملائكة المقربون. قال ابن عباس: (هم الملائكة). وفي رواية عنه قال: (الملأ الأعلى: الملائكة حين شووروا في خلق آدم، فاختصموا فيه وقالوا: لا تجعل في الأرض خليفة). فهناك تفسيران:
التفسير الأول: الاختصام في خلق آدم. فعن السُّدي قال: (﴿بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ هو ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾). أي اعْتُبِر الحوار الذي في سورة البقرة بين الملائكة وربهم في شأن خلق آدم هو المقصود بهذا الاختصام وهو بمعنى الاختلاف فيما بين الملائكة أنفسهم في ذلك الشأن. قال ابن كثير: (يعني في شأن آدم عليه الصلاة والسلام وامتناع إبليس من السجود له ومحاجته ربه في تفضيله عليه). أي فقل يا محمد لمشركي قومك: إن إخباري لكم عن شأن آدم وما حصل من قول الملائكة وإبليس آنذاك دليل على أن هذا القرآن وحي من الله أنزله عليّ إذ تعلمون

(١) حديث حسن. انظر: "الحلية" - لأبي نعيم - (٢/ ٣٤٣). ورواه الطبراني في "الأوسط" كما في "المجمع" (١/ ٩١). وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٨٠٢).


الصفحة التالية
Icon