عند الكريهات. قال: وما الدرجات؟ قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام. قال: سل. قلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني. وإذا أردت فتنة بقوم، فتوفني غير مفتون. وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك. وقال رسول الله - ﷺ -: إنها حق فادرسوها وتعلموها] (١).
قال ابن كثير: هذا حديث المنام المشهور. ومن جعله يقظة فقد غلط.
قلت: والسياق يدل على التفسير الأول وكذا الآيات التي بعدها فقد فُسِّر بها هذا الاختصام. وإليه ذهب ابن جرير حيث قال في الآية التي بعد ذلك، وهي قوله: ﴿إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ قال: (قل يا محمد لمشركي قريش: ما يوحي الله إليّ علم ما لا علم لي به، من نحو العلم بالملأ الأعلى واختصامهم في أمر آدم إذ أراد خَلْقَه، إلا لأني أنا نذير مبين).
وقد قرأها أكثر القراء بفتح الهمزة من (أَنّما) أي إن يوحى إليّ إلا الإنذار، فهي بالفتح بموضع رفع لأنها اسم ما لم يسمّ فاعله. قال الفراء: (كأنك قلت ما يوحى إليّ إلا الإنذار). ويجوز أن تكون في موضع نصب بمعنى (إلا لأنما) ذكره القرطبي عن النحاس. وهناك من قرأها بالكسر على الحكاية ﴿إِلَّا أَنَّمَا﴾ كأبي جعفر بن القعقاع، لأن الوحي قول، والتقدير: يقال لي إنما أنت نذير مبين. والقراءة الأولى أشهر والله أعلم.
ثم ذكر سبحانه قصة الاختصام بين الملائكة بقوله: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ﴾. فقوله ﴿إِذْ قَالَ﴾ من صلة قوله: ﴿إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ أو بدل منه. والتقدير: ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون حين قال ربك يا محمد للملائكة إني خالق بشرًا من طين، والمراد آدم عليه السلام. وهذه القصة قد ذكرها الله سبحانه في مواضع كثيرة من القرآن، فهي مبسوطة في سورة البقرة وفي أول الأعراف وفي سورة الحجر والإسراء والكهف وفي سورة (ص) ها هنا.
وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾. قال الضحاك: (﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ قال: من قدرتي). وقيل: أي من الروح الذي أملكه ولا يملكه غيري. كما قال جل ثناؤه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا

(١) حديث حسن بشواهده. انظر مسند أحمد (٥/ ٢٤٣)، وصحيح سنن الترمذي (٢٥٨٢).


الصفحة التالية
Icon