ربوبيته وأنكر ما عليه الإقرار له به من الإذعان له بالطاعة). ثم ذكر قول ابن عباس: (كان في علم الله من الكافرين).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾.
في معنى اليد أقوال:
الأول: قول مجاهد: (اليد هاهنا بمعنى التأكيد والصلة، مجازه لما خلقت أنا كقوله: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ أي يبقى ربك).
الثاني: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ لما خلقت بغير واسطة. قال القاسمي: (أي بنفسي من غير توسط كأب وأم).
الثالث: المراد باليد القدرة، يقال مالي بهذا الأمر يد، ومالي بالحمل الثقيل يدان.
الرابع: الإضافة للخلق لنفسه إضافة تكريم. قال القرطبي: (أضاف خلقه إلى نفسه تكريمًا له، وإن كان خالق كل شيء. وهذا كما أضاف إلى نفسه الروح والبيت والناقة والمساجد، فخاطب الناس بما يعرفونه في تعاملهم، فإن الرئيس من المخلوقين لا يباشر شيئًا بيده إلا على سبيل الإعظام والتكرم، فذكر اليد هنا بمعنى هذا).
الخامس: المراد باليدين صفات ذات لله سبحانه كما يليق بجلاله وكماله. قيل في بعض التفاسير: التشبيه في اليد في خلق الله تعالى دليل على أنه ليس بمعنى النعمة والقوة والقدرة، وإنما هما صفتان من صفات ذاته تعالى.
قلت: لقد تكرم الجبار سبحانه أن خلق آدم بنفسه تكرمًا وتفضلًا، ليعلم ابن آدم مكانته عند الله فيعبده لا يشرك به شيئًا، وكان يسعه سبحانه أن يقول له كن فيكون، بل باشر الخلق جل ثناؤه بيديه الكريمتين، وفي الآية دليل عظيم على هاتين الصفتين لله العظيم، من صفات ذاته سبحانه.
وفي الأثر عن مجاهد عن ابن عمر قال: (خلق الله أربعة بيده: العرش، وعَدْن، والقلم، وآدم، ثم قال لكل شيء كن فكان).
وفي صحيح الإمام مسلم ومسند الإمام أحمد وسنن النسائي عن عبد الله بن عمرو عن النبي - ﷺ - قال: [إن المُقسطين عندَ الله يومَ القيامة على منابرَ من نور عن يمين الرحمان، وكلتا يديه يمين: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا] (١).

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (١٨٢٧) - كتاب الإمارة - ورواه أحمد والنسائي.


الصفحة التالية
Icon