وفي المسند وسنن أبي داود وجامع الترمذي ومستدرك الحاكم عن أبي موسى عن النبي - ﷺ - قال: [إن الله تعالى خلق آدم من قبضةٍ قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدْر الأرض، جاء منهم الأحمرُ، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسَّهْلُ، والحزْنُ، والخبيثُ، والطيب، وبين ذلك] (١).
وقوله: ﴿أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾. قال ابن جرير: (يقول: لم أفعل ذلك استكبارًا عليك، ولا لأني كنت من العالين، ولكني فعلته من أجل أني أشرف منه. قال: يقول وكنت خيرًا لأنك خلقتني من نار وخلقته من طين والنار تأكل الطين وتحرقه). قال سبحانه يصف كلام إبليس: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾. فامتنع من السجود فأخزاه الله بكبره وكلما سجد مؤمن سجود التلاوة عند سماع آيات ذلك من القرآن.
فقد أخرج الإمام أحمد في المسند والإمام مسلم في الصحيح وابن ماجة في السنن واللفظ لأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجدَ، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلهُ أمِرَ ابنُ آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمِرْت بالسجود فعصيت فليَ النار] (٢).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾. رجيم: هو على وزن فعيل بمعنى مفعول. أي مرجوم مطرود عن الخير كله. قال قتادة: (والرجيم اللعين)، فأخرجه من الجنة وجعله مرجومًا وأتباعه بالكواكب والشهب فلا يستطيع معرفة الخبر من السماء بعد ذلك، وأَرْدَاه مُبْعدًا عن الرحمة والرأفة. وفي هذا الخبر هنا تسميع لقريش وكفارها ومشركيها وتقريع من الله لهم بأنهم إن استمروا على العناد وقابلوا الوحي بالرأي والفلسفة كقولهم: ﴿أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا﴾. وكقولهم: ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ فإن مصيرهم كمصير إبليس المبعد اللعين والمطرود عن الجنة والنعيم، باستكباره وحسده وعجبه وغروره، فليحذر كفار مكة أن يصيبهم ما أصاب شيطانهم فيكونوا من الخاسرين.

(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٤/ ٤٠٦)، والترمذي (٢٩٥٥)، وأبو نعيم في "الحلية" (٣/ ١٠٤). ورواه أبو داود والحاكم والبيهقي. انظر صحيح الترمذي (٢٣٥٥)، والسلسلة الصحيحة (١٦٣٠).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٨١)، وأحمد في المسند (٢/ ٤٤٣)، وابن ماجة في السنن (١٠٥٢)، وابن حبان في صحيحه (٢٧٥٩).


الصفحة التالية
Icon