العرب). وله شاهد عند الحاكم بسند حسن عن ابن عباس أن رسول الله - ﷺ - خطب الناس في حجة الوداع فقال: [إن الشيطان قد يَئِسَ أن يُعبَد بأرضكم، ولكن رضيَ أن يُطاعَ فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم، فاحذروا، إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا، كتابَ الله وسنةَ نبيّه.. ] (١).
وفي المسند للإمام أحمد بسند صحيح عن سبرة بن أبي فاكِهٍ عن النبي - ﷺ - قال: [إن الشيطان قعدَ لابنِ آدم بأطرقهِ، فقعدَ له بطريق الإسلام فقال: تُسلِم وتذرُ دينَكَ ودينَ آبائك وآباء آبائك؟ ! فعصاه فأسلمَ، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجرُ وتدعُ أرضك وسماءكَ وإنما مثلُ المهاجر كمثل الفرسِ في الطِّول، فعصاه فهاجرَ، ثم قعد له بطريق الجِهاد فقال: تجاهِدُ فهوِ جهدُ النفس والمال، فتقاتل فتقتلُ فتنكحُ المرأة ويقسمُ المال؟ ! فعصاه فجاهد، فمَنْ فعل ذلك كان حقًّا على الله أن يدخِلَهُ الجنة، ومن قتل كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، وإن غرقَ كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، وإن وقصتهُ دابَّتهُ كان حقًّا على الله أن يدخلهُ الجنة] (٢). وقوله: "كمثل الفرس في الطول" -وهو الحبل الطويل يشد أحد طرفيه في وتد والطرف الآخر بيد الفرس ليدور فيه ويرعى ولا يذهب لوجهه- كناية عن غربة وضيق الهجرة.
فإذا ما استنفر المسلم في كل عمل لمعاكسة الشيطان، فقد حظي بذلك برضا الرحمان، وبعونه ليصل إلى غايته وهي دخول الجنان، ورؤية وجه الله ذي الجلال والإكرام، ومثال هذه المعاكسة، ما روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إن الشيطان يحضُرُ أحدَكُم عند كلِّ شيءٍ من شَأْنِهِ حتى يحضرَهُ عند طعامه، فإذا سقطت من أحدِكم اللقمةُ فَليُمِطْ ما كان بها من أذى، ثم ليأكلْها ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعَه، فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة] (٣).
فإذا ما فعل ذلك في كل شأنه كان من المخلصين، الذين خَلَّصَهم الله من الشيطان وأعانهم على نبذه والترفع عن ساقط حركاته ووسوسته.

(١) حديث صحيح. أخرجه الحاكم، وبنحوه الترمذي (٢١٥٩) - كتاب الفتن. وانظر سنن ابن ماجة (٣٠٥٥)، كتاب المناسك، ومسند أبي يعلى (٢٠٩٥).
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٣/ ٤٨٣)، والنسائي في السنن (٦/ ٢١، ٢٢)، ورواه ابن حبان في صحيحه (٤٥٩٣).
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه (٢٠٣٣) ح (١٣٥)، كتاب الأشربة.


الصفحة التالية
Icon