وقوله تعالى: ﴿قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾.
قرأ قراء الكوفة بالضم ﴿فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾. كأن التقدير قول الله: (أنا الحق وأقول الحق)، أو بتأويل قوله: لأملأن. أي فالحق أن أملأ جهنم منك.
في حين قرأها قرّاء المدينة والبصرة بالنصب (فالحقَّ والحقَّ أقول) بمعنى (حقًّا لأملأن جهنم والحق أقول) أو بالنصب على الإغراء والتقدير: (الزموا الحق واتبعوا الحق). والثانية لا اختلاف في نصبها بمعنى (أقول الحق). وكلا القراءتين السابقتين مشهورة عند القراء. فعن مجاهد في قوله ﴿فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾ قال: (يقول الله: أنا الحقُّ، والحقَّ أقول) وفي رواية (الحق مني، وأقول الحق). وقال السدي: (قسم أقسم الله به). فقوله: (والحق أقول) جملة اعتراضية بين القسم والمقسم عليه، وهو توكيد القسم. ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾ أي من نفسك وذريتك وممن تبعك من بني آدم وسار على طريقك، كما قال جل ثناؤه في سورة الحجر: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾، وكقوله في سورة الإسراء: ﴿قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا﴾.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾. أي قل لقومك يا محمد: لست أبتغي بدعوتي مالًا أو أجرًا أو ثناءً أو دنيا أشارككم بها وأنافسكم عليها، شأن أصحاب الدعوات الأرضية والمتنافسين على الأغراض الدنيوية، وحب الرياسات والقصور والأموال وزينة الحياة الدنيا، بل كل ما أرجو بعملي وجه الله وأن يكلله بالقبول. ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ فقد أديت وبلغت ونصحت لكم دون زيادة أو نقصان، بل نقلت لكم الوحي كما نزل وأنذرتكم به بلا مبالغة أو رجحان.
قال النسفي رحمه الله: (﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ من الذين يتصنعون ويتحلون بما ليسوا من أهله وما عرفتموني قط متصنعًا ولا مدعيًا بما ليس عندي حتى أنتحل النبوة وأتقوّل القرآن).
قلت: والتكلف مذموم في كل شيء، والله يحب التواضع والصدق، اللهم إلا فيما رخّصَ فيه في الإصلاح وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. فقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان، وكذا الديلمي بسند حسن عن سلمان، عن النبي - ﷺ - قال: