في هذه الآيات:
هو الحق نزل عليكَ يا محمد، كتاب الله العزيز في كبريائه وجبروته وانتقامه من أعدائه، الحكيم في تدبيره خلقه وشؤون عباده، وفي ما ارتضى لهم من هديه وشرعه وقدره، أنزلهُ إليكَ كتابًا عظيمًا خضعت له السماوات والأرض وأشفقت منه الجبال، يدعو إلى الحق والعدل الذي قام عليه هذا الكون وهو إفراد الله بالتعظيم والكبرياء فلا يستحق ذلكَ أحد سواه، فادع إلى ذلكَ يا محمد، فله سبحانه الدين الخالص وهو معنى الشهادةِ (لا إله إلا الله)، والذين آثروا الأوثان وتحكيم الشهوات والأهواء وتنحية الوحي والاستهزاء به سينالهم ما يعاقبون به، فلا الأوثان تقربهم إلى الله كما يزعمون، ولا الشهوات والشبهات تنجيهم من سوء المستقبل الذي ينتظرون، فإن الله يطبع على قلب كل متكبر جبار. فهو الله الأحد لم يلد ولم يولد، وكل شيء يعبده، لا شريكَ لهُ في ملكهِ وسلطانه، فلو أرادَ أن يتخذ ولدًا لاصطفى ما يشاء، ولكنهُ القَهَّار الواحد الصمد، لا يحتاج إلى غيرهِ وهو الغني وكل خلقه محتاجٌ إلى رحمتهِ، فقد خلق السماوات والأرض وحمل الليل على النهار يغشى هذا هذا ويغشى هذا هذا وسخر الشمس والقمر لعباده ليعلموا عدد السنين والحساب، وهما يجريان إلى يوم القيامة إلى حين تكوّر الشمسِ وتنكدر النجوم، ولكل منهما منازل في حركته ودورانه لا تعدوه ولا تقصر دونه، فمَنْ يفعل هذه الأفعال ويقسم هذه المقادير ويبسط هذه النعم إلا العزيز صاحب الجبروت والغفار الذي يغفر ويجيب الدعوات. الذي خلقكم من أبيكم آدم وخلق حواء من زوجها من ضلع من أضلاعه، وجعل لكم من الأنعامِ ثمانية أزواج من الإبل زوجين ومن البقر زوجين ومن الضأنِ زوجين ومن المعز زوجين، وهو الذي يقدركم في بطون أمهاتكم نطفة فعلقة فمضغة ثم يكون لحمًا وعظمًا وعصبًا وعروقًا ثم ينفخ فيه من روحه فيصير خلقًا آخر باذن الله أحسن الخالقين، وهذا كله يجري في ظلمة الرحم والمشيمة والبطن فهو المتصرف له الملك فأين تنصرف عقولكم عن تعظيمه وحده وكيف تنصرفون عن عبادته ولا مستحق للعبادة غيره. فإن تكفروا فلا تلوموا إلا أنفسكم فإن الإحسان لا يقابل بالإساءة، وإن تشكروا فهو يرضاه لكم كما ترضون أنتم مقابلة الإحسان بمثله، ثم تُرَدُّون إليه فلا ملجأ ولا منجى لكم مِنْه إلا اللجوء إليهِ فهو العليم بذات صدوركم وبما أسررتم وما أخفيتم. أوليس إذا مسّ أحدكم الضر وحاق به الخطر وأحدق به الخطب جأر إليه، فلماذا إذا شعر بالرخاء فكّرَ بالكبر والعجب وَتَرَكَ الشيطان يحرك لسانه بفاسد القول وما فيه شرك بالله وكفر، كلا فليتمتع بكفره أيامًا فإنها