عليكم من رحمته، وهي الغيث الذي يحيي به البلاد). والمقصود: أن من رحمته يكون الغيث والخصب عند إرساله تعالى الرياح.
وقوله: ﴿وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ﴾. أي في البحر عند هبوبها، فتجري السفن بتدبيره سبحانه أو بتكوينه. قال القرطبي: (وإنما زاد ﴿بِأَمْرِهِ﴾ لأن الرياح قد تَهُبُّ ولا تكون مواتية، فلابد: من إرساء السفن والاحتيال بحبسها، وربما عصفت فأغرقتها بأمره).
وقوله: ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. قال ابن كثير: (﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾، أي: في التجاراتِ والمعايشِ، والسَّيرِ من إقليم إلى إقليم، وقُطْرٍ إلى قُطْر، ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، أي: تشكرون الله على ما أنعم به عليكم من النعم الظاهرة والباطنة التي لا تعد ولا تحصى).
وقوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾.
تسليةٌ من الله تعالى لعبده ورسوله محمد - ﷺ - عما يلقاه من أذى قومه وتكذيبهم، فإن الرسل قد تعاقبوا قبله وأيدهم الله تعالى بالأدلة البينات والمعجزات الواضحات، ومع ذلك كَذَّبهم أقوامهم فأنزل الله نقمته بأعدائهم، وما آمن معهم إلا قليل.
وقوله: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
هو حقٌّ أوجبه تعالى على نفسه الكريمة تفضلًا منه وتكرمًا ورفعًا لشأن أهل الإيمان.
قال الزمخشري: (قوله: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ تعظيم للمؤمنين، ورفع من شأنهم، وتأهيل لكرامة سنية، وإظهار لفضل سابقة ومزية. حيث جعلهم مستحقين على الله أن ينصرهم، مستوجبين عليه أن يظهرهم ويظفرهم).
٤٨ - ٥١. قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١)﴾.
في هذه الآيات: إرسالُ الله الرياح وإنشاءُ السحاب وجمعه ونشره في السماء ونزول