وقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
قال القرطبي: (استدلال بالشاهد على الغائب). والمقصود: إن الذي يحيي هذه الأرض بعد يبسها ودثورها بهذا الغيث لمحيي الموتى بعد موتهم وهو على ذلك وعلى غيره قدير، وليس شيء عليه بعسير.
وقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾.
قال ابن عباس: (﴿فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا﴾: الزرع، وهو الأثر). وقيل: (فرأوا السحاب). فالمعنى: يقول جل ذكره: ولئن أرسلنا ريحًا مفسدة ما أنبته الغيث فرأى هؤلاء الأثر المفسد: في اصفرار زروعهم بعد اخضراره، ويبسه بعد نضجه، لظلوا من بعد استبشارهم وفرحتهم به يكفرون بربهم، ويجحدون نِعَمَهُ، ويَنْسَون أياديه عندهم.
٥٢ - ٥٣. قوله تعالى: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣)﴾.
في هذه الآيات: إثباتُ عدم سماع الأموات في قبورهم نداء الأحياء، وتمثيل الكفر والإعراض عن سماع الحق بالموت والصمم، وإنما الهداية بيد الله فهو يهدي من أخبت إليه وكان من المسلمين.
فقوله تعالى: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾.
قال قتادة: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾: هذا مثل ضربه الله للكافر، فكما لا يسمع الميت الدعاء، كذلك لا يسمع الكافر ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ يقول: لو أن أصمّ ولّى مدبرًا ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفعُ بما يسمع).
والمقصود: أن الهداية لأهل العمى عن الحق إنما هي بيد الله، فهو وحده الذي بقدرته يُسْمِعُ الأموات أصوات الأحياء لو شاء، وكذلك فهو يهدي من يشاء، ويضل من يشاء.
قلت: وهذه الآية نص في عدم سماع الأموات في قبورهم نداء الأحياء، وإنما جاء الاستثناء في أمرين خاصين: