وقوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾.
أي: وما أنت -يا محمد- بمانع الذين أعماهم الله من ضلالتهم، فإنَّ مَنْ لَمْ يُوَفِّقْهُ الله لإصابة الرشد وأعماه عن إبصار طريق الاستقامة وامتثال سبيل محجة الحق فلا سبيل لك إلى هديه ورشده.
وقوله: ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [الأنعام: ٣٦]. قال القرطبي: ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾ أي لا تُسمع مواعظَ الله إلا المؤمنين الذين يصغون إلى أدلة التوحيد وخلقتُ لهم الهداية). قال ابن جرير: ﴿فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ يقول: فهم خاضعون لله بطاعته، متذللون لمواعظ كتابه).
٥٤. قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤)﴾.
في هذه الآية: ترتيب الله تعالى حياة الإنسان بتنقله في أطوار الخلق المختلفة: فهو يخرج من بطن أمه في حالة ضعف ثم يصير شابًا في حالة قوة، ثم يعود إلى الضعف في حالة الشيخوخة، والله هو العليم القدير.
قال قتادة: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾ أي من نطفة. ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا﴾ الهرم ﴿وَشَيْبَةً﴾ الشَّمَط).
والآية إخبار من الله تعالى عن تنقل الإنسان في أطوار الخلق المختلفة. قال ابن كثير: (فأصله من تراب، ثم من نطفة، ثم من عَلَقة، ثم من مُضْغَة، ثم يصير عظامًا، ثم يُكسى لحمًا، وينفخ فيه الروحُ، ثم يخرج من بطن أمه ضعيفًا نحيفًا واهِنَ القُوَى، ثم يشَبُّ قليلًا قليلًا حتى يكون صغيرًا، ثم حدَثًا، ثم مُراهقًا، ثم شابًا. وهو القوة بعد الضعفِ، ثم يشرَعُ في النقص فيكتهلُ، ثم يشيخ ثم يهرَمُ، وهو الضعف بعد القوة. فتضعف الهمةُ والحركة والبطش، وتَشِيب اللَمَّة، وتتغَير الصفاتُ الظاهرة والباطنة، ولهذا قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ أي: يفعل ما يشاءُ وَيَتَصَرَّفُ في عبيده بما يُريد، ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾.