أخرج الترمذي بسند حسن عن ابن عمرة [أنه قرأ على النبي - ﷺ -: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾ فقال: "مِنْ ضُعْفٍ"] (١).
٥٥ - ٥٧. قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧)﴾.
في هذه الآيات: إقسام المجرمين يوم القيامة أن مكثهم في هذه الحياة الدنيا ما كان غير ساعة، وتأكيد أهل العلم والإيمان لهم أن لبثهم في كتاب الأعمال كان من بدء خلقهم إلى يوم بعثهم، ولكنهم كانوا لا يعلمون الحق لانصرافهم إلى الشهوات، وإلى تضييع الأوقات، فيومئذ لا يُقبل منهم اعتذار ولا تبرير ولا ينفعهم الندم أو التوبة من الوقوع في الموبقات والمهلكات.
فعن قتادة: (﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ﴾ أي يكذبون في الدنيا، وإنما يعني بقوله ﴿يُؤْفَكُونَ﴾ عن الصدق، ويصُدُّون عنه إلى الكذب).
قال ابن جرير: (يقول: كذبوا في قيلهم وقَسَمِهم ما لبثنا غير ساعة، كما كانوا في الدنيا يكذبون ويحلفون على الكذب وهم يعلمون).
والآية إخبار من الله تعالى عن جهل الكفار وكذبهم في الدنيا والآخرة. فقد أنفقوا أعمارهم في دنياهم بتعظيم الطواغيت والشهوات، ثم هم يقسمون يوم القيامة ما لبثوا في الدنيا غير ساعة واحدة، وكأنهم أرادوا استقصار مدتها فلا تقوم عليهم بها الحجة ولا الإعذار.
وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
قال قتادة: (هذا من مقاديم الكلام. وتأويلها: وقال الذين أوتوا الإيمان والعلم: لقد لبثتم في كتاب الله). وقال ابن جُريج: (معنى ذلك: وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله، والإيمان بالله وكتابه).