والمقصود: أنهم إذا قالوا ذلك يوم البعث ردّ عليهم المؤمنون العلماء في الآخرة كما أقاموا عليهم حجة الوحي في الدنيا، إنكم لبثتم في كتاب الأعمال من يوم خلقتم إلى يوم بعثكم هذا، ولكنكم كنتم في الدنيا لا تعلمون أنه حق، لتفريطكم في طلب الحق واتباعه، وانغماسكم خلف أهوائكم وشهواتكم.
وقوله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾.
أي: فيوم القيامة لا ينفع الكفار اعتذارهم عما فعلوا من أعمال الكفر والآثام، ولا يطلب منهم التوبة والإنابة فقد مضى وقت ذلك.
قال القاسمي: (﴿وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أي ولا يطلب منهم الإعتاب. أي إزالة العتب بالتوبة والطاعة. لأنهما وإن كانتا ماحيتين للكفر والمعاصي، فإنما كان لهما ذلك في مدة الحياة الدنيا، لا غير).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ [فصلت: ٢٤].
٢ - وقال تعالى: ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٥ - ١٦].
وفي سنن الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة، وعن أبي سعيد قالا: قال رسول الله - ﷺ -: [يُؤتى بالعبد يومَ القيامة فيقولُ لَهُ: ألَمْ أجْعَلْ لكَ سمعًا وبصرًا ومالًا وولدًا، وسَخَّرْتُ لك الأنعام والحرثَ، وتركتُكَ ترأسُ وتَرْبَعُ، فكنتَ تَظُنُّ أنَّكَ مُلاقِيَّ يَوْمَكَ هذا؟ فيقول: لا. فيقول له: اليوم أنْسَاكَ كما نسيتني] (١).
قال أبو عيسى: (ومعنى قوله: "اليوم أنساك كما نسيتني": اليوم أتركك في العذاب، وكذا فَسَّرَ بعض أهل العلم هذه الآية: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٥١] قالوا: معناه: اليوم نتركهم في العذاب).
٥٨ - ٦٠. قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى