قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (٦٠)}.
في هذه الآيات: ضَرْبُ الله الأمثلة للناس في هذا القرآن لينتفعوا بها ولكن الذين كفروا عن الحق معرضون، كذلك يختم الله على قلوب الذين لا يعلمون، فاصبر -يا محمد- واثبت على الصراط ولا يَسْتَفِزَّنَكَ عن دينك الذين لا يوقنون.
فقوله: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ﴾. قال القرطبي: (أي من كل مَثَل يدلُّهم على ما يحتاجون إليه، وينبههم على التوحيد وصدق الرسل).
وقوله: ﴿وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ﴾. قال ابن كثير: (أي: لو رأَوا أيَّ آيةٍ كانت، سَواءٌ كانت باقتراحهم أو غيره، لا يؤمنون بها، ويعتقدون أنها سِحْرٌ وباطل، كما قالوا في انشقاق القمر ونحوه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٩٦ - ٩٧]).
وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
قال النسفي: (أي مثل ذلك الطبع وهو الختم يطبع الله على قلوب الجهلة الذين علم الله منهم اختيار الضلال حتى يسموا المحقين مبطلين، وهم أعرق خلق الله في تلك الصفة).
وقوله: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾.
أي: فاصبر -يا محمد- على أذاهم وعداوتهم، واعلم أن وعد الله بنصرك عليهم وإظهار دينك الحق على كل دين وعدٌ حق قادم لابد من إنجازه والوفاء به.
وقوله: ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾.
قال القرطبي: (أي لا يستفزنّك عن دينك. والخطاب للنبي - ﷺ - والمراد أمته، يقال: استخف فلان فلانًا أي استجهله حتى حمله على اتباعه في الغيّ).
وقال القاسمي: ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ﴾ أي لا يحملنك على الخفة والقلق ﴿الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ أي بما تتلو عليهم من الآيات البينة، بتكذيبهم إياها ومكرهم فيها. فإنه تعالى منجز لك ما وعدك من نصرك عليهم، وجعله العاقبة لك، ولمن اعتصم بما جئت به من المؤمنين).


الصفحة التالية
Icon