المعنى الخامس: قيل بل المراد تقدير معاش الناس في كل بلد وما يصلح دنياهم وتجارتهم ومعيشتهم. قال الضحاك: (معنى: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾: أي أرزاق أهلها وما يصلح لمعايشهم من التجارات والأشجار والمنافع في كل بلدة ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة والأسفار من بلد إلى بلد). وقال عكرمة: (في كل أرض قوت لا يصلح في غيرها، اليماني باليمن، والسابري بسابور).
قلت: وغاية المعنى أن يقال: إن اللَّه تبارك وتعالى قد هَيَّأَ الأرض ليسكنها بعد ذلك الإنسان، أكرم المخلوقات وأشرفها، فقد زوّد اللَّه الأرض بما يقوت بني الإنسان من الغذاء، وبما يصلحهم من المعاش، وبما يدبّر أمورهم من أمر التعاون والتجارة، والغذاءُ لا يكون إلا بالمطر، والتجارةُ لا تكونُ إلا بالحركة والتنقّل والسفر، كما تحتاج إلى شيء من المال، وما يقوم مقامه من الحلي والجواهر والياقوت والدرر، فتفضل اللَّه سبحانه فأنزل المطر، وسلكه ينابيع في الأرض لتفجّر يومًا عبر العيون والنَهر، وتكرم اللَّه جل وعزّ فشق الطرق في السهول والجبال، وأودع للإنسان كنوزًا من الخير والمال، والحلي والدرر في الجبال وأعماق البحار، إضافة إلى ما يخرج من تلك الأعماق من السمك واللحم الحلال، كل ذلك قد سخّره لذلك الإنسان، ليدرك يومًا قيمته ومكانته عند خالق الأكوان والأزمان، لعله يقوم بالأمانة العليا التي خلقه من أجلها، وأرسل له بذلك الرسل الكرام، عليهم الصلاة والسلام.
وأما قوله: ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ أي: في تتمة أربعة أيام. قال الشوكاني: (أي في تتمة أربعة أيام باليومين المتقدمين. قاله الزجاج وغيره). أي فرغ اللَّه سبحانه من خلق الأرض وجميع ما تقوم به حاجة الإنسان في المستقبل، يوم سيسكنها بأمره، في أربعة أيام: وهي بدءًا من يوم الأحد، يوم خلق فيها الجبال، وانتهاء بيوم الأربعاء، يوم خلق فيها النور والأمل، الذي سيشرق يومًا في قلوب خلقه من النساء والرجال، فكمّلَ سبحانه في تلك الأيام جميع أسباب الحياة فيها، من الأشجار والماء والمدائن والعمران والخراب وغير ذلك مما يقوم ويصلح به الحال.
وقوله: ﴿سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ فيه قولان:
الأول: عن الحسن قال: (في أربعة أيام مستوية تامة). وعن قتادة: (﴿سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ قال: من سأل عن ذلك وجده كما قال اللَّه). أي من سأل عن علم ذلك التقدير يوم خلق اللَّه الخلق والأرض، وكم كان ذلك الأجل، حتى استكملها وجعل فيها


الصفحة التالية
Icon