الجبال الرواسي والسبل والأنهار، والبحار والأقوات والأشجار، فإنّ حدّه كما أخبر تعالى أربعة أيام.
والثاني: عن ابن زيد قال: (قدّر ذلك على قدر مسائلهم، يعلم ذلك أنه لا يكون من مسائلهم شيء إلا شيء قد علمه قبل أن يكون). وقال الفراء: (في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى وقدر فيها أقواتها سواء للمحتاجين). قال القرطبي: (وقال أهل المعاني: معنى: ﴿سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾: ولغير السائلين، أي خلق الأرض وما فيها لمن سأل ولمن لم يسأل، ويعطي من سأل ومن لا يسأل).
وغاية المعنى أن اللَّه سبحانه قد أثبت تقدير بدء خلق الأرض وما تحتاجه من مقومات العيش فيها في أربعة أيام، ليسكنها الإنسان يومًا فيجد ما يسأل من حاجة فيها، فقد أودعها اللَّه من كنوز الخير وما يقوم به العيش، لينعم الإنسان فيها يومًا ولا يشقى، ولينصرف بهمته ومشاعره وجوارحه إلى ما هو أسمى وأرقى.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾. قال القرطبي: (أي عمد إلى خلقها وقصد لتسويتها).
وقال ابن جرير: (ثم ارتفع إلى السماء)، أي بلا تكييف ولا تمثيل. وقيل: ﴿ثُمَّ﴾ ترجع إلى نقل السماء من صفة الدخان إلى حالة الكثافة، وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفّس.
وقد ذكر القاسمي -في تفسيره- رحمه اللَّه: (وقال بعض علماء الفلك في تفسير هذه الآية: ﴿وَهِيَ دُخَانٌ﴾ أي ذرات، أي غازات أي سديم. ثم تجاذبت كما يتجمع السحاب فصارت كتلة واحدة. مصداقًا لقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ أي كتلة واحدة. فدارت ثم تقطعت وتفصلت بالقوة الدافعة، فتكونت الأرض والسماوات، تصديقًا لقوله تعالى: ﴿فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ أي فصلناهما، فصارتا كرات من الماء في يومين. ثم قال: وفي هذا الوقت كان عرشه على الماء. أي كان ملكه وسلطانه على الماء واللَّه أعلم).
وعن ابن عباس: (﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾، قال اللَّه تعالى للسماء: أطلعي شَمْسَك وقمرك وكواكبك، وأجري رياحك وسحابك. وقال للأرض: شُقِّي أنهارك وأخرجي شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾).


الصفحة التالية
Icon