وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إنّ إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فَرَّقْتُ بينه وبين أهله، فيدنيه منه ويقول: نِعْمَ أنت] (١).
وله شاهد عند ابن حبان من حديث أبي موسى الأشعري -بإسناد صحيح رجاله ثقات- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إذا أصبح إبليس بثَّ جنوده، فيقول: من أضَلَّ اليوم مسلمًا ألبستُه التاج، فيخرُج هذا فيقول: لم أزل به حتى طَلَّقَ امرأته، فيقول: أوشك أن يتزوج. ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى عقَّ والديه فيقول: يوشك أن يَبَرَّهما. ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى أشرك، فيقول: أنت أنت، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى قتلَ، فيقول: أنت أنت ويُلْبِسُهُ التاج] (٢).
وقوله: ﴿وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾.
أي: وحق عليهم ﴿كَلِمَةُ الْعَذَابِ﴾ كمن قبلهم من الجن والإنس استووا وإياهم في الخسار والدمار. قال القرطبي: (أي وجب عليهم من العذاب ما وجب على الأمم الذين من قبلهم الذين كفروا ككفرهم).
وقوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾. قال النسفي: (هو تعليل لاستحقاقهم العذاب). والمقصود: إن تلك الأمم الضالة من الجن والإنس كانوا مغبونين ببيعهم رضا اللَّه ورحمته بسخطه وعذابه فخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾.
هو وصف لمحاولات قريش في الصد عن هذا القرآن، وذلك بافتعال الضجيج والفوضى عند تلاوته، ظنًا منهم أن ذلك سيصرف تأثيره الساحر على قلوب الناس حين يُتْلى فلا يؤثر.
قال ابن عباس: (هذا قول المشركين قالوا: لا تتبعوا هذا القرآن والهوا عنه). وعن مجاهد: (﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾ قال: المكاء والتصفير، وتخليط من القول

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٨١٣) - ح (٦٧)، ح (٦٨)، كتاب صفات المنافقين.
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن حبان (٦٥) ورجاله ثقات رجال البخاري. وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٢٨٠)، وكتابي: "منهج الوحيين في معالجة زلل النفس وتسلط الجن" ص (٢٤)، لمزيد من التفصيل في هذا البحث.


الصفحة التالية
Icon