وقوله: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾. قال ابن عباس: (فذو تضرع واستغاثة). قال القرطبي: (والكافر يعرف ربه في البلاء، ولا يعرفه في الرخاء). وقال القاسمي: (﴿فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ أي كثير. يديم تضرعه، ويستغرق في الابتهال أنفاسه. وقد استعير "العَرْضُ" لكثرة الدعاء. كما يستعار له "الطول" أيضًا. فيقال: أطال فلان الدعاء، إذا أكثر. وكذلك أعرض دعاءه). وقال ابن كثير: (﴿فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾، أي: يُطيل المسألة في الشيء الواحد. فالكلام العريضُ: ما طالَ لفظُه وقل معناه، والوَجيز: عكسُه، وهو: ما قَلَّ ودَلَّ).
فائدة: لا منافاة بين قوله: ﴿فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾ وبين قوله: ﴿فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾.
فإنه قد يكون الأول في قوم والثاني في قوم آخرين، أو قنوط في البر وذو دعاء عريض في البحر، أو قنوط بالقلب ذو دعاء عريض باللسان، أو قنوط من الوثن والصنم ذو دعاء للَّه تعالى - ذكر نحوه النسفي.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ١٢].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ [الزمر: ٨].
أخرج الإمام أحمد في المسند بإسناد قوي عن عقبة بن عامر مرفوعًا: [إذا رأيت اللَّه يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: ٤٤]] (١).
٥٢ - ٥٤ قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ