مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤)}.
في هذه الآيات: تحذيرُ اللَّه تعالى المشركين مغبة كفرهم بهذا القرآن، وهو تعالى يريهم آياته وعجائب قدرته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يظهر لهم أنه الحق كلام الرحمان. ألا إنهم في شك من لقاء ربهم، وهو محيط بأعمالهم وآجالهم، وبكل شيء في هذا الكون حولهم.
فقوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾. قال ابن جرير: (قل -يا محمد- للمكذبين بما جئتهم به من عند ربك من هذا القرآن: أرأيتم أيها القوم إن كان هذا الذي تكذبون به ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ﴾ ألستم في فراقٍ للحق وبعد من الصواب. فجعل مكان التفريق الخبر فقال: ﴿مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ إذ كان مفهومًا معناه. -أي-: قل لهم: من أشد ذهابًا عن قصد السبيل وأسلك لغير طريق الصواب ممن هو في فراق لأمر اللَّه وخوف له بعيد من الرشاد).
وقوله: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾. أي سنري هؤلاء المكذبين -ومن سار بعدهم على منهاجهم- آياتنا البديعة في نصر هذا الدين وإحقاق النبوة وخذلان الطغاة والمتكبرين، وآيات الآفاق والأنفس العجيبة التي تدل على انفراد اللَّه تعالى في هذا الوجود بالكبر والتعظيم.
فعن عمرو بن دينار عن عمرو بن أبي قيس عن المنهال في قوله: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ﴾ قال: (ظهور محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- على الناس).
وعن السدي: (يقول: ما نفتح لك يا محمد من الآفاق ﴿وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ في أهل مكة، يقول: نفتح لك مكة).
وقال ابن زيد: (آفاق السماوات: نجومها وشمسها وقمرها اللاتي يجرين، وآيات في أنفسهم أيضًا).
قال ابن كثير: (أي: سنظهر لهم دلالتنا وحجَجنا على كون القرآن حقًّا منزَّلًا من عند اللَّه -عزَّ وجلَّ- على رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بدلائل خارجية ﴿فِي الْآفَاقِ﴾، من الفتوحات