سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (١٩) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (٢٠)}.
في هذه الآيات: إخبارٌ من اللَّه تعالى عن افتراء المشركين في جعلهم بعض الأنعام لطواغيتهم وبعضها للَّه، وقولهم الملائكة بنات اللَّه، ويكرهون ذلك لأنفسهم، ويَحْتَجُّون بالقدر على شركهم، واللَّه يعلم مكرهم وكذبهم.
فقوله: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾. قال مجاهد: (ولدًا وبنات من الملائكة). وعن قتادة: (﴿جُزْءًا﴾ أي عِدْلًا). والمقصود: قالوا الملائكة بنات اللَّه، فجعلوهم جزءًا له وبعضًا. قال القرطبي: (عجَّب المؤمنين من جهلهم إذ أقروا بأن خالق السماوات والأرض هو اللَّه ثم جعلوا له شريكًا أو ولدًا، ولم يعلموا أن من قدر على خلق السماوات والأرض لا يحتاج إلى شيء يعتضد به أو يستأنس به لأن هذا من صفات النقص).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٦].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [النحل: ٥٧].
٣ - وقال تعالى: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ [النجم: ٢١ - ٢٢].
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: [قال اللَّه تعالى: كَذَّبَني ابنُ آدمَ ولمْ يكُنْ له ذلك، وشتمني ولم يَكُنْ له ذلك، فأمّا تكذيبُه إيايَّ فقوله: لنْ يعيدني كما بدأني، وليس أوَّلُ الخلق بأهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إعادته، وأما شَتْمه إيايَّ فقولُه: اتخذ اللَّه ولدًا، وأنا الأحد الصَّمَدُ، لمْ ألِدْ ولمْ أولَدْ، ولم يَكُنْ لي كفوًا أحَدٌ] (١).
وقوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ﴾. يعني الكافر الجاحد. قال الحسن: (يعدّ المصائب وينسى النعم). وقوله: ﴿مُبِينٌ﴾ أي مظهر الكفر.

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه (٤٩٧٤) - كتاب التفسير - وكذلك (٣١٩٣).


الصفحة التالية
Icon