وقوله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ﴾. إنكار في صيغة التوبيخ. قال النسفي: (أي بل اتخذ، والهمزة للإنكار تجهيلًا لهم وتعجيبًا من شأنهم حيث ادعوا أنه اختار لنفسه المنزلة الأدنى ولهم الأعلى).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾. قال ابن كثير: (أي: إذا بُشِّر أحدُ هؤلاء مما جَعلوه للَّه من البنات يأنَفُ من ذلك غايةَ الأنَفَةِ، وتعلوه كآبة من سُوءِ ما بُشِّرَ به، ويتوارى من القوم من خَجَله من ذلك، يقول تبارك وتعالى: فكيف تأنفون أنتم من ذلك، وتَنْسُبونه إلى اللَّه عز وجل؟ ! ). وعن قتادة: (﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ أي حزين).
وقوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾. قال ابن عباس: (يعني المرأة). وقال مقاتل: (لا تتكلم المرأة إلا وتأتي الحجة عليها). والمقصود: تركيب المرأة فيه نقصان، ويُكَمَّل نَقْصُها بلُبس الحُلي منذ تكون طفلة، وإذا خاصمت فعبارتها ضعيفة، فهل هذا النعت يُناسب أن يُنْسَبَ إلى جناب اللَّه العظيم؟ قال النسفي: (أي أو يجعل للرحمن من الولد من هذه الصفة المذمومة صفته، وهو أنه ينشأ في الحلية، أي: يتربى في الزينة والنعمة، وهو إذا احتاج إلى مجاناة الخصوم ومجاراة الرجال كان غير مبين ليس عنده بيان، ولا يأتي ببرهان، وذلك لضعف عقولهن).
وقال القاسمي: (والمعنى: أومن كان كذلك جعلتموه جزءًا للَّه من خلقه، وزعمتم أنه نصيبه منهم؟ ).
قال إلكِيا الهرّاسيّ: (فيه دليل على إباحة الحليّ للنساء).
وسئل أبو العالية عن الذهب للنساء، فلم ير به بأسًا، وتلا هذه الآية.
وقوله: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾. أي: وجعل المشركون ملائكة اللَّه -الذين هم عنده يسبحونه ويقدسونه وله يسجدون- إناثًا، فقالوا هم بنات اللَّه، جراءًة منهم على قيل الكذب، وقلة أدب مع ربهم عز وجل.
وقوله: ﴿أَشَهِدُوا خَلْقَهُم﴾. تجهيل لهم وتهكُّمٌ بهم. والمعنى: هل حضروا خلق اللَّه لهم فوصفوهم بذلك نتيجة رؤيتهم إياهم وعلمهم بدقيق أمرهم؟ !
وقوله: ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾. تهديد ووعيد. والمعنى: سَتُكْتب شهادتهم على الملائكة بما هم مبرؤون عنه، وسَيُسْألون عنها يوم القيامة بمطالبتهم بإقامة براهينهم وحججهم، ولا سبيل لهم إلى ذلك.