وقوله: ﴿وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ﴾. قال ابن عباس: (لا تفتروا على اللَّه). وقال قتادة: (أي: لا تبغوا على اللَّه).
وقال ابن كثير: (أي لا تَسْتَكْبِروا اتباع آياته، والانقياد لِحُججه والإيمانِ ببراهينه، كقوله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠]).
وقوله: ﴿إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾. قال قتادة: (أي: بعذر مبين).
والمراد: الآيات البينات والأدلة الساطعات والحجج الظاهرات التي أكرم اللَّه بها موسى.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ﴾. قال ابن عباس: (هو الرَّجم باللسان، وهو الشّتم). وقال قتادة: (الرجم بالحجارة). والمقصود: إني أعوذ باللَّه ربي وربكم أن تصلوا إلي بسوء بقول أو فعل.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ﴾. قال قتادة: (أي فخلوا سبيلي). وقال مقاتل: (أي دعوني كَفافًا لا لِيَ ولا عَلَيّ). والمقصود: كفوا أذاكم عني ولا تتعرضوا لي ودعوا الأمر مسالمة بيني وبينكم حتى يحكم اللَّه بيننا.
وقوله تعالى: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ﴾.
أي: فلما طال مُقامه فيهم يقيم حجج اللَّه عليهم، ولم يظهروا إلا العناد والاستكبار والإجرام، دعا عليهم دعوة نفذت فيهم، كما قال سبحانه: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا﴾ [يونس: ٨٨ - ٨٩].
وقوله تعالى: ﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ﴾.
في الكلام محذوف تقديره: فأجابه ربه في دعوته، وأمره أن يخرج ببني إسرائيل من بين أظهرهم متجاوزًا فرعون وإذنه، كما قال جل ذكره: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧].
قال النسفي: (﴿إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ﴾ أي: دبّر اللَّه أن تتقدموا ويتبعكم فرعون وجنوده، فينجي المتقدمين ويغرق التابعين).