وقوله: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾. الرّهو: السير السهل. قال ابن عباس: (﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾: كهيئته وامضِه). وقال مجاهد: (طريقًا يَبَسًا كهيئته، يقول: لا تأمره يرجعُ، اتركه حتى يرجعَ آخرُهم). والمعنى: لما جاوز موسى ببني إسرائيل البحر، أراد أن يضرب بعصاه البحر ليعود كما كان، حتى يصير حائلًا بينهم وبين فرعون فلا يصل إليهم، فأمره اللَّه بتركه ساكنًا وطمأنه بأن لا يخاف دركًا ولا يخشى، وبأن فرعون وجنوده في عداد الغرقى، وهو قوله: ﴿إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾. ﴿كَمْ﴾: للتكثير. أي: كم تركوا من بساتين وعيون ماء، كالأنهار والآبار، كانوا ينعمون بخيراتها فأهلكهم اللَّه ومنعهم من الاستمرار في النعيم، وصيَّرهم إلى حياة الهلاك والجحيم.
وقوله تعالى: ﴿وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾. أي: وكم تركوا من زروع وثمار مختلفة، ومساكن أنيقة وأماكن حسنة كانوا يستمتعون بالمقام فيها. قال مجاهد: (﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾: المنابر). وقال قتادة: (﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾: أي حسن).
وقوله تعالى: ﴿وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ﴾. قال قتادة: (ناعمين).
قال ابن كثير: (أي: عيشة كانوا يتفكهون فيها فيأكلون ما شاؤوا، ويلبسون ما أحبوا مع الأموال والجاهات والحكم في البلاد، فسلبوا ذلك جميعه في صبيحة واحدة، وفارقوا الدنيا وصاروا إلى جهنم وبئس المصير، واستولى على البلاد المصرية وتلك الحواصل الفرعونية والممالك القبطية بنو إسرائيل).
وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾. قال قتادة: (يعني بني إسرائيل).
وهو كقوله جل ثناؤه: ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء: ٥٩]. وكقوله جل ذكره: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٧].
وقوله تعالى: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾.
قال الحسن: (فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين).
قال القاسمي: (﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾ فيه تهكّم بهم وبحالهم، المنافية