وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾.
قال ابن جرير: (﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا﴾ يسمعون به مواعظ ربهم، وأبصارًا يبصرون بها حجج اللَّه، وأفئدة يعقلون بها ما يشرّهم (١) وينفعهم ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ قول: فلم ينفعهم ما أعطاهم من السمع والبصر والفؤاد إذ لم يستعملوها فيما أعطوها له، ولم يعملوها فيما ينجيهم من عقاب اللَّه، ولكنهم استعملوها فيما يقرّبهم من سخطه ﴿إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ يقول: إذ كانوا يكذبون بحجج اللَّه وهم رسُله، وينكرون نبوتهم ﴿وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ يقول: وعادَ عليهم ما استهزؤوا به، ونزل بهم ما سخروا به فاستعجلوا به من العذاب، وهذا وعيد من اللَّه جل ثناؤه لقريش، يقول لهم: فاحذروا أن يحلّ بكم من العذاب على كفركم باللَّه وتكذيبكم رسله، ما حل بعاد، وبادروا بالتوبة قبل النقمة).
وقوله: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى﴾. قال ابن كثير: (يعني أهل مكّة، قد أهلك اللَّه الأمم المكذبة بالرسل مما حَولها كعادٍ، وكانوا بالأحقاف بِحَضْرَ موت عند اليمن، وثمود وكانت منازلهم بينهم وبين الشام، وكذلك سَبَأٌ وهم أهلُ اليمن، ومَدْين وكانت في طريقهم ومَمَرِّهم إلى غَزَّة، وكذلك بحيرة قوم لوط، كانوا يمرون بها أيضًا).
وقوله: ﴿وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ﴾. قال ابن زيد: (بيّناها). ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ - قال: (يقول: ليرجعوا عما كانوا عليه مقيمين من الكفر باللَّه وآياته).
وقوله: ﴿فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً﴾.
قال القرطبي: (﴿فَلَوْلَا﴾ بعنى هلّا، أي هلّا نصرهم آلهتهم التي تقرّبوا بها بزعمهم إلى اللَّه لتشفع لهم حيث قالوا: ﴿هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٨] ومنعتهم من الهلاك الواقع بهم).
والمقصود: الاحتجاج على قريش في منهاج عبادتهم. أي: لو كانت آلهتكم تنفع لنفعت من قبلكم وأنقذتهم من بأس اللَّه حين نزل بهم.
وقوله: ﴿بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ﴾. قال القاسمي: (أي غابوا عن نصرهم، وامتنع أن