٤ - ٩. قوله تعالى: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (٦) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (٧) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (٨) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٩)﴾.
في هذه الآيات: الحثُّ على إتقان الضرب والإجهاز على العدو في القتال والتقييد المحكم للأسرى، والوعد بجميل الأجر والعطاء للمجاهدين الذين قتلوا في سبيل اللَّه، وتأكيد سنة اللَّه بنصر المؤمنين الصادقين، وخذلان الكافرين المعاندين للوحي والمرسلين.
قال ابن جرير: (﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ باللَّه ورسوله من أهل الحرب فاضربوا أعناقهم ﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾: حتى إذا غلبتموهم وقهرتم من لم تضربوا رقبته منهم فصاروا في أيديكم أسرى ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ فشدوهم في الوثاق كيلا يقتلوكم فيهربوا منكم. فإذا أسرتموهم بعد الإثخان فإما أن تَمُنُّوا عليهم بعد ذلك بإطلاقكم إياهم من الأسر، وتحرروهم بغير عوض ولا فدية، وإما أن يفادوكم فداء بأن يعطوكم من أنفسهم عوضًا حتى تطلقوهم، وتخلوا لهم السبيل).
وقد ادّعى بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة براءة: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥].
قلت: والحق أنها محكمة غير منسوخة لإمكان اجتماع حكميهما من جهة، ولا دليل يصرح بالنسخ من جهة أخرى.
فإن كان الحال نهوضًا من غوبة وضعف إلى عز وشوكة، كان الأَوْلى قتل أئمة الكفر الذين يقعون في الأسر، كما جاء الدرس في ذلك يوم بدر، حيث قال تعالى معاتبًا: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الأنفال: ٦٧]. وأما إن كان الحال